من مسرح بلا روح إلى صمت المدرجات: الإبداع في المغرب بين دهاليز البيروقراطية وانتظار الرابح
عماد فجاج
في ملعب التنس، كانت الاجواء تحمل صمتا غير اعتيادي. المدرجات ممتلئة عن آخرها، لكن الحضور لم يكونوا جمهورا عاديا. جميعهم مسرحيون من مختلف التخصصات، مخرجون وممثلون وكتاب وناقدون…، كل منهم جالس في مكانه بعينين متحفزتين واصابع لا تتوقف عن النقر على هواتفهم. بدا وكأنهم في عرض مسرحي صامت، لكن المشهد الذي يشاهدونه هذه المرة يدور على أرضية ملعب التنس.
المباراة لم تكن مجرد لعبة رياضية بل كانت رمزا لصراع اعمق. اللاعب الاول كان يمثل الابداع الحر والفن النقي، وهو صديقهم الذي كافح كثيرا ليصل الى هذه اللحظة. اما اللاعب الاخر فكان تجسيدا لنظام ادارة المسرح بكل سلطته وقوانينه المقيدة، التي اعتاد المسرحيون التحايل عليها او الصراع ضدها. الجمهور كان يراقب بحذر كل ضربة للكرة، وكأنها تعبير عن المعركة التي يخوضونها جميعا، ولكن دون القدرة على التدخل او التأثير.
الصمت الذي خيم على المكان لم يكن صمتا مريحا بل كان مثقلا بالتوقعات والترقب. كل ضربة للكرة تحمل رسالة، وكل ارتداد يفتح بابا للتأويل. اصوات ضربات الكرة على الارضية وصداها كانت تتداخل مع اصوات السكرين شوت المتقطعة، التي تعكس هوس الجمهور بتوثيق اللحظة. هواتفهم اصبحت اداة تحليل، تترجم ما يحدث في المباراة الى معان اعمق مرتبطة بحياتهم المهنية.
مع كل ضربة للكرة، كان الجمهور ينقسم داخليا. البعض ينحاز للاعب صديقهم، متمنيا فوزه كرمز للحرية، بينما الآخرون يتابعون بحذر، منتظرين لحظة الحسم للانضمام الى الجهة الرابحة. في لحظة حاسمة، ارتدت الكرة نحو خط المنتصف فتوقف الزمن للحظة. اعين الجمهور جميعا تعلقت بالكرة، واصابعهم توقفت عن النقر. كانت تلك اللحظة تجسد التوتر الحقيقي بين الانحياز والخوف من الرهان على الطرف الخطأ.
الصمت الذي ساد المكان لم يكن مجرد غياب للأصوات بل كان انعكاسا لحالة الانتظار المشحونة التي تسكن كل فرد في المدرجات. الجميع ينتظر النهاية، ليس فقط لمعرفة الفائز في المباراة، ولكن لمعرفة اي طرف من هذا الصراع سيمثل المستقبل. كرة التنس لم تعد مجرد اداة لعبة، بل اصبحت رمزا لمعركة أكبر تدور في عقول وقلوب هؤلاء المسرحيين.
هذه المباراة لم تكن مجرد رياضة، بل كانت مسرحية من نوع جديد، حيث الجمهور هم اللاعبون الحقيقيون، وكل منهم يبحث عن دوره في هذا الصراع.
التعليقات مغلقة.