مهرجان المسرح الوطني : احتفاء بنهاية البداية وبداية النهاية
عماد فجاج
في ركن معتم من عقل مهووس بالمسرح المغربي، تسللت فكرة المقال هذه، ليست كفكرة ناضجة تطرق الباب، بل كصرخة مشوشة خرجت من فم مجنون أغلق عليه باب التناقض. دعوني أروي لكم عن “المهرجان الوطني للمسرح المغربي”، الذي، لسبب لا يعلمه سوى قسم المسرح بوزارة الثقافة، يقام في بداية الموسم، وكأننا نحتفي بنهاية رحلة لم تبدأ بعد.
تصوروا المشهد: خشبات المهرجان تتزين للاحتفال بنهاية موسم وهمي، تعلق على واجهاتها لافتات تقول: “تهنئة للعروض التي لم تعقد بعد!”. تقف الفرق المسرحية، أغلبها بالكاد ينفض غبار العرض الأول، لتقدم عروضها في المهرجان “الوطني” في محاولة يائسة لإقناع الجمهور والنقاد بأن العمل اكتمل، وهو في الحقيقة لا يزال في طور الولادة.
قسم المسرح بوزارة الثقافة، تلك الكيانات التي يبدو أنها تدير الأمور من برج عاجي، قررت بطريقة عبثية أن المسرح المغربي لا يحتاج إلى موسم كامل ليزهر وينضج، بل يكفيه عرض واحد، أو بالكاد عرضين، ليقف على منصة المهرجان كمنجز فني يحتفى به. عبث خالص! أن تحتفي بنهاية الموسم في بدايته، وكأنك تعلن عن فوز فريق كرة القدم قبل أن تبدأ المباراة.
والأغرب من كل هذا أن المسؤولين عن هذا العبث حينما تواجههم بالسؤال: “لماذا تقام نهاية الموسم في بدايته؟”، تجد الإجابة جاهزة مثل نص مسرحي محفوظ:“القرار ليس قرارنا”.
فإذا كان القرار ليس قرارهم، فماذا يفعلون هنا؟ لماذا يشغلون مناصبهم إن لم يكن هدفهم تأطير هذا القرار وتوجيهه نحو النضج والمنطق؟ أليس من دورهم أن يدافعوا عن المسرح وأهله، أن يثقفوا صناع القرار ويوضحوا لهم أن الاحتفاء بنهاية الموسم يجب أن يأتي في نهايته، بعد أن تكون العروض قد مرت بمراحلها الطبيعية من الولادة إلى النضج؟ أم أن وظيفتهم باتت فقط الجلوس في مكاتبهم، متفرجين على الفوضى، مثل جمهور يشاهد مسرحية عبثية لا يفقه مغزاها؟
هنا تكمن الحقيقة المرة: نتائج التسيير عندما يكون بيد أناس لا يفقهون ولا علاقة لهم بالمسرح. أولئك الذين يرون المسرح مجرد ملفات على مكاتبهم، وتدار قراراته كما تدار أي إدارة حكومية روتينية لا روح فيها. إذا كان هؤلاء عاجزين عن اتخاذ موقف أو التأثير في قرار بهذا الحجم، فلماذا هم هنا أصلا؟ المسرح المغربي بحاجة إلى أناس يفهمونه، يعشقونه، ويدافعون عنه كما يدافع الممثل عن دوره على الخشبة.
العروض؟ أغلبيتها، إن لم أقل معظمها، لا تزال في أول خطواتها، بالكاد خرجت من طور الإعداد إلى طور العرض، تجد نفسها في المهرجان تصفق لنفسها على مسرح لم يختبر بعد. وربما الأسوأ، هو أن هذا العبث لا ينتهي هنا؛ إنه يستمر في الدورة تلو الدورة، وكأن أحدا قرر أن العبث هو القاعدة، وأن التفكير في أي منطق آخر يعد خروجا عن النص.
وأنا أكتب، أرى المهرجان نفسه كشخصية في مسرحية عبثية. تخيلوا مهرجانا يجلس على كرسي وثير في مكتب حكومي، يحدث نفسه بصوت عال:“نهاية الموسم؟ ما هذا الهراء؟ نحن مبدعون، لماذا لا نبدأ بنهايته وننهي بدايته؟ لنبهر العالم بعبثيتنا!”
ولعل الكوميديا الأكبر تكمن في الجمهور، فينا نحن. نصفق بتهذيب لكل هذا العبث، وكأننا جزء من مسرحية كبيرة تدعى “المسرح المغربي”، حيث كل شيء ممكن: الزمن يتقلب، النهاية تصير بداية، والعروض الجديدة تقدم نفسها على أنها تحف فنية مكتملة، في حين أن صدى البروفات الأخيرة لا يزال عالقا في أذهان الممثلين.
أيها القراء، أليس من الأجدر أن ينظم المهرجان في نهاية الموسم، بعد أن ينضج المسرح المغربي بثمار أعماله؟ أم أن قسم المسرح بوزارة الثقافة يصر على أن نعيش في عالم مقلوب، حيث الاحتفاء بالمسرح المغربي يصبح مشهدا عبثيا بحد ذاته، يعرض على خشبة الحياة كما هو، بكل تناقضاته؟
وإن كان هذا النص يبدو كصرخة مجنون، فلأن العبث لا يمكن أن يروى إلا بلغة العبث ذاتها.
التعليقات مغلقة.