لم يخطر على بالي أن أكتب عن الطفل موزار، عن الموسيقار موزار، لكني عندما قرأت عنه أصبت بنوع من الغيرة و الغبطة.
لم أضبط إحساسي و أنا أقرأ عن هذا المعجزة البشرية الذي أتقن، أو بالأحرى أوحيت إليه الموسيقى ليتربع على عرش الموسيقى عبر التاريخ
من أب فقير معوز و من عائلة غائصة في الإحتياج، يصبح الطفل المعجزة هو الأمل لأبيه و أمه.
صغيرا ستفتح له الأبواب على مصراعيها، ليلج القصر، و يخالط عوالم كلها ثراءا و تنهال عليه الهدايا من كل حدب و صوب.
لكن الأمر ليس كما نعرفه أو كما قرأناه أو كما نسمعه في كل مرة و حين.
سيكبر و سيجد موزار صعوبة كبيرة في الحصول على وظيفة، و تم منعه من العزف أو الإنضمام لفرقة الكنيسة لعدم جدارته حسب مدير الفرقة آنذاك.
الطفل المعجزة، موزار العبقري، الموسيقي الذي ربما قد لا تلد أنثى مثله، يتم رفضه للعمل ضمن فرقة الكنيسة لكي تزداد معاناته مع الفقر و البرد و الجوع. سخرية القدر، بل هو هذا الواقع الذي لا يعرفه رواد المسارح للإستماع لمعزوفاته، خصوصا معزوفته الخالدة الناي السحري.
اقترحوا عليه أن ينضم لفرق ضعيفة، و يعزف ألحان أقل قيمة في فيينا.
يا للهول، يا للكارثة، موزار يتضور جوعا و عائلته الصغيرة.
لكنه و رغما عنه، و رغم عبقريته، كان يضطر للرقص غصبا عنه ليستجلب لجسمه بعض الحرارة لأنه ببساطة ليس لديه المال الكافي لشراء حطب التدفئة.
ستأبى الحياة أن تمنحه الثراء، ستعانده بشدة، ستعصره ليرحل بكل أنواع الفاقة و الحاجة.
و سنرقص نحن طربا على أنغام موزار، و لا نعرف من هو، ليتجلى القدر بكل ما فيه.
د. العمراني عثمان
التعليقات مغلقة.