موسم مولاي يوسف: ضريح منسي وسط جبال صاغرو
أصوات
رغم الحالة المزرية التي أصبح عليها ضريح مولاي يوسف المدفون بقرية إغرم أمزدر الكائنة وسط جبل صاغرو والتابعة لجماعة إكنيون إقليم تنغير، فسكان المنطقة أبو إلا أن يقيموا موسم مولاي يوسف بن محمد بن عبد الله أو ما يسمى محليا بـ”المسنت”.
ويشكل موسم ضريح مولاي يوسف، الذي نظم بين 4 و6 أكتوبر الجاري، محج سنوي لسكان الجنوب الشرقي، سواء لزيارة الولي الصالح أو صلة الرحم، كما يعد مناسبة لاختيار قائد جديد أو لتجديد البيعة لقائد قبلية “آيت عيسى” التي تتكلف بتنظيم هذا الموسم رفقة أحفاد الولي.
ضريح على شفا النسيان
حالة الضريح تشير إلى أنه هُجر منذ سنوات. قبة متصدعة آيلة للسقوط لم تصمد أمام العواصف المطرية والثلجية، وأرضيته متسخة مغطاة بالكامل بالتراب المتساقط من السقف، وبعض أجزاء غرف الضريح منهارة جزئيا، خصوصا غرفة العطايا.
شباب من المنطقة، رأوا، في تصريحات متفرقة لجريدة أن عدم صيانة الضريح تدل على “ارتقاء الوعي الجمعي للساكنة”، معبرين على تفاؤلهم بتراجع “الإقبال على مثل هذه المواسم والطقوس والعادات التي تمارس فيها”.
“أد إقضو ربي أسكسن آمين”. جملة بالأمازيغية يمكن سماعها بمجرد الاقتراب من مقبرة تجمهر الناس حولها، وتعني “قضى الله حاجتك”. بعد بضع خطوات تراءى لنا حشد من رجال ونساء وأطفال تحلقوا في دائرة ويتوسطهم رجل اعتمر عمامة ناصعة البياض ووضع فوق رأسه ثلاث شتلات من نبتة “الفصة”. بين الفينة والأخرى يرفع يده للسماء ويصيح: “أد إقضو ربي أسكيين”، ويصيح الرجال المتحلقون حوله “آمين”.
عادة الأجداد
“يقام هذا الموسم سنويا”، يقول أحد أحفاد الولي في حديث لجريدة “، مضيفا “وينطلق بذبح عجل يتكلف بإحضاره بعض أعضاء قبيلة آيت عيسى المنتمية إلى خمس آيت وحليم، التي تنتمي بدورها إلى اتحادية قبائل آيت عطا، ويذبح العجل ويطبخ لكي يعطى للناس طيلة أيام الموسم”، مؤكدا أن أحفاد مولاي يوسف يتكلفون بالطبخ وإيواء الزوار، لكن هذه السنة تراجع عدد زوار بشكل ملحوظ”.
هذا الموسم يقام منذ وفاة مولاي يوسف، وينحدر هذا الولي الصالح من سلالة مولاي عبد الله بن حساين المدفون بتامصلوحت. وحسب شهادات بعض زوار الموسم للجريدة، كان “مولاي يوسف يلعب دورا هاما في تسيير شؤون أهل القرية، فقد كان يتكلف بالقضاء وعقد الصلح وتدوين الاتفاقيات التي تعقد بين الأفراد والقبائل، وكانت له كرامات جعلت الناس يتحلقون حوله وجعلوه وليا من أولياء الله، ويضرب به المثل في الأمانة وحسن التدبير والخلق”.
“وعندما توفي بني ضريح على قبره من ثم غذى مزار للناس لكي يتبركوا به، وكانوا يعتقدون أنه يشفي المرضى ويجلب الرزق ويحقق الأماني، وبعد مدة خصص الناس يوما من أيام السنة لكي يجتمعوا قرب ضريحه لجمع الصدقات”، يقول أحد أحفاده المرابدين بالضريح.
عند مدخل الضريح كانت هناك مجموعة من الأطفال المتحمسين للدخول لزيارة قبر مولاي يوسف، وكان من بينهم شخص كبير السن يعتمر قلنسوة صفراء اتضح فيما بعد أنه المكلف بجمع العطايا التي يتصدق بها زوار للضريح. أوقفنا، وقال: “انتظروا حتى يفرغ الضريح من النساء”
.
بعد وقت وجيز، دخلنا برفقة أحد أحفاد مولاي يوسف، الضريح مقسم إلى غرفتين، غرفة خاصة يوجد بها قبر الولي وغرفة خاصة بتخزين الهبات.
مكان قبر الولي عبارة عن غرفة ضيقة، مرصّع بالزليج الفاسي وفوقه غطاء حديدي أخضر، قيل لنا إنه وضع من أجل حماية القبر من النهب.
مرافقنا قال لنا إن الزوار عندما يدخلون إلى هذه الغرفة يقومن بالدوران حول القبر ثلاث أو سبع مرات ويدعون باسم الولي لكي يجيب دعواتهم ويقضي حاجاتهم، مضيفا أن “المرضى الذين استعصى عليهم الشفاء يأتون إلى الضريح ويتمرغون في تراب الضريح لعل ذلك يجلب لهم الشفاء”.
كما كان الزوار عند زيارتهم لضريح مولاي يوسف وإتمامهم للطواف “يأكلون بعضا من تراب الضريح معتقدين أنه سوف يشفيهم وينجيهم من المصائب”، حسب المتحدث ذاته.
“سلهام البركة”
بعدما خرجنا من الضريح، توجهنا إلى مكان يتجمهر الناس فيه، أغلب الرجال كانوا كبار السن ويرتدون جلاليب وعمامات بيضاء، وبجانبهم نساء ملثمات برداء أسود يجلسن فوق كومة من الصخور، ويحيط بهم مجموعة من الشباب والأطفال جاؤوا لإشباع فضولهم.
حلقة الرجال مكوّنة من قائد قبيلة آيت عيسى وأعيان القبيلة، يفترشون لحافا أبيض يضعون فوقه العطايا والهبات على شكل نقود أو مواد أخرى، وكل من يريد أن يدعا له يعطيهم هبته كيفما كانت ويدخل إلى وسط الحلقة ويغطونه بسلهام أبيض، تحوّل لونه إلى الأصفر من كثرة الاستعمال، ويسمى “سلهام البركة”، ثم يبدأ أمغار أو القائد بالدعاء “أداس اقضو ربي أسكيين” ويجيب الآخرون “آمين”.
وأقيمت هذه الطقوس في يوم الأحد 6 أكتوبر 2024، اليوم الأخير من الموسم الذي يستمر لثلاثة أيام.
عند نهاية هذا الطقس المسمى باللسان الأمازيغي “أشظاظ ن-شرفا”، أخذ القائد في جمع الأموال التي تم تحصيلها خلال اليوم كله، وكان من بين العطايا جديٌ وديكان.
رفع الجدي فوق رأسه وصاح: “من يشتري هذا الجدي من مولاي يوسف”، وبطريقة المزاد العلني، راح الحاضرون يزايدون إلى أن بيع لأحد الأشخاص بضعف ثمنه. الأمر ذاته كُرر مع الديكين وكل الهبات القابلة للبيع.
يعتقد أن الأموال الكثيرة التي تجمع بهذه المناسبة تقسم بين الأشخاص المنظمين، إلا أن محمد، وهو من أحفاد مولاي يوسف، نفى ذلك وأكد في حديثه مع الجريدة أن هذه الأموال “تجمع في صندوق خاص بالعطايا وتصرف في مقتنيات الموسم والأكل الذي يوفر للزوار طيلة أيام هذه المناسبة”.
وأكد محمد أن التبرك بالأضرحة تراجع “لأن الناس راجعوا أنفسهم وأدركوا أن التبرك بالأولياء الصالحين خرافة ولا يغني من جوع، ومع مرور السنوات تراجع عدد الوافدين لهذا الموسم، وتم التخلي عن بعض العادات التي كانت تمارس بمناسبة هذا الموسم”، مسجلا أن “الفقهاء ساهموا في إغناء الوعي بضرورة ترك هذه الممارسات باعتبارها شركا بالله”.
داود أقاموش، الباحث في تاريخ الجنوب الشرقي، اعتبر أن هذه الممارسات لا تعدو أن تكون إلا لأخذ البركة، وهذه الممارسات أخذت في الزوال، مشيرا إلى أن “علاقة جميع المغاربة بالأولياء الصالحين عبر التاريخ هي علاقة التبرك”، مشددا على أن الزوار “يعتقدون أن حوائجهم تقضى عند زيارة الولي وعند التقرب منه بتقديم الأموال أو الهبات كما كان نوعها.
التعليقات مغلقة.