نتذكر ونتعلم ونتأمل ونفرح في إحياء ذكرى مولد أفضل خلق الله شعار الأيام المحمدية بمسجد ستراسبورغ الكبير 1443هـ/2021م.
ستراسبورغ - فرنسا / الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون
ستراسبورغ – فرنسا / الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون
تقديم :
يصعب الحديث و يعجز اللسان حين الحديث عن سيد البشرية نبي الرحمة، نبينا وحبيبنا وقدوتنا ومولانا محمد، فلا يتوقف ولا ينتهي اليوم وغدا ودائما أبدا سرمديا.
فإحياء ذكرى مولد الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه لها معانيها ومغازيها ودلالاتها. كل يحييه على طريقته ورؤيته الخاصة ، و الجامع بين الكل هو التعريف بأعظم شخصية أرسلها الله رحمة للعالمين.
تولي الجالية الإسلامية بستراسبورغ بعاصمة الآلزاس بمختلف جنسياتها، والمسجد الكبير خاصة، اهتماما كبيرا بإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، اهتماماً وقدسية واضحة تليق بمولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال طريقة الشعائر المقامة والإحتفالات الممارسة، والتي تعكس موروث سلفنا الديني التاريخي من عادات وتقاليد مرتبطة بهذه المناسبة الخاصة جدا.
لقد اعتادت الجالية الإسلامية المغاربية الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في كل سنة دون تفريط ولا تقصير بحرص شديد أكثر من ذي قبل. مثل ما كان عليه أسلافنا رحمهم الله منذ عقود خلت، وتبرز مظاهر الاحتفال بمولد سيد الخلق لدى الجالية المسلمة، وعند كل عائلة تستعد لإحياء هذه المناسبة التي تعتبرها مناسبة دينية خالصة لا يمكن التفريط فيها، ولا الاستغناء عنها.
وتمثل هذه المناسبة الدينية السعيدة جزءا لا يتجزأ من الشعائر الدينية والكيان الروحي، الثقافي والإجتماعي للجالية، حيث يواظبون على إحيائها كل سنة، ويحرصون على الإلتقاء في بيوت الله رفقة عائلاتهم وأبنائهم وأصدقائهم لإستذكار الرسالة المحمدية، وتلقين سيرة خاتم الأنبياء العطرة للأطفال من الأجيال الصاعدة.
ولإحياء مناسبة مولد الحبيب المصطفى عليه أزكى السلام تتجند سواعد القائمين على المساجد بكل فرح وسرور، فتزدهر المساجد في مختلف بقاع المعمورة, في هذا اليوم التاريخي المشرف للأمة الإسلامية قاطبة، بكل فخر وإعتزاز، فيعدون برنامجا خاصا للاحتفال بالذكرى، و يقيمون حفلات تمتلئ خلالها المساجد بالعبادات بداية من الخطب والدروس والمحاضرات للحديث عن الرسول الكريم، إلى إقامة جلسات الذكر والصلاة والسلام على النبي الحبيب، إضافة إلى تلاوة القرآن التي لا تنقطع ولا تتوقف.
ومن بين هاته المساجد التي عاصرناها وحضرنا نشاطها الكبير لسنوات متتالية مسجد ستراسبورغ الكبير، المسجد الأم الجامع لعشرات مساجد ستراسبورغ بمنطقة الآلزاس بفرنسا منذ نشأته ووضعه حيز الخدمة سنة2012.
جدير بالذكر أن أعضاء إدارة المسجد الكبير يحرصون ككل سنة، كل الحرص على إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف، التي تهدف أساسا إلى التعريف بثراتنا التاريخي الديني الثقافي الزاخر من خلال إحياء عادات وتقاليد السلف، على خطى الآباء والأجداد، ولتعريف الجالية برمتها وأبنائها خاصة على ثقافاتهم الأصلية، وتقريبهم من بعضهم البعض، فضلا عن تهذيب الأخلاق والسمو بالروح الإسلامية المنبثقة من الشمائل المحمدية وفضائلها وتأصيلها. هذا من جهة ومن جهة أخرى فتح الآبواب لغير المسلمين للتقرب والتعرف على نبي الرحمة، مما تغدينا بينبوعه من قيم الصفح والسلم ونبذ العنف والكراهية والعنصرية و العمل بهدي ما أوصانا به من حسن الجوار وحسن الخلق لإحلال السلام.
برمجت لحفل المولد النبوي بمسجد ستراسبورغ الكبير فقرات متنوعة على مدار ثلاثة أيام متتالية:
حيث عاش المسجد الكبير ورواده ومحبيه على مدار ثلاثة أيام، من يوم الجمعة وحتى مساء الأحد، البرنامج الثري المسطر تحت شعار “نتذكر ونتعلم ونتأمل ونفرح في إحياء ذكرى مولد أفضل خلق الله” من خلال اللقاءات المتنوعة التي جمعت بين التلاوات القرآنية العطرة، والمؤتمرات العلمية المقامة، والأناشيد الروحية المختارة لمدح الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، والأذكار المنتقاة.
بداية اليوم الأول كانت بصلاة الجمعة و التي أمها فضيلة الشيخ الأستاذ “محمد برة”، جمعة حضر شعائرها مئات المصلين الوافدين من كل الجهات. لتنطلق بعد صلاة العصر حلقة جلسات تلاوة القرآن والذكر. جلسة جمعت العديد من الحضور، لاسيما عنصر الشباب حفظهم الرحمن. لتنطلق بع صلاة المغرب فعاليات الحفل من تنشيط فضيلة الشيخ “خليلو سيلا” إمام المسجد بفقرة دينية متنوعة، استهلت بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم وفقرة مداخلات بكلمة ترحيبية بالحضور حفل المولد الذي نظم بالمسجد الكبير، حضره مئات الأشخاص من مسؤولين وضيوف وأهالي. وبعض أئمة المساجد والجمعيات، وهيئات المجتمع المدني بأطيافه وشرائحة، كما حضر الحفل مجموعة من الشخصيات الفاعلة من محبي وأصدقاء مسجد ستراسبورغ العامر والزاخر بالنشاطات المتنوعة الداعية للسلم والسلام والصفح والهادفة للوسطية والإعتدال الداعية للتعايش السلمي والأخوة ومحاربة العنف والكراهية والعنصرية بكل مسمياتها ومفرداتها إلخ…
وفي ثاني يوم وأهم نشاط انطلقت فعالياته بعد العصر بتلاوة عطرة للقرآن الكريم، وقراءة الأذكار المختارة بهاته المناسبة المحمدية، كما تخللت الأمسية أناشيد صوفية من أداء فرقة “راحة الأرواح” السورية، كما أقيمت محاضرات بهاته المناسبة و قراءات تعدد في صفات النبي السامية صلى الله عليه وسلم. لتتواصل الأمسية لساعة متأخرة. و بعد صلاة العشاء أستأنف النشاط بحماس فياض و فرحة عارمة و بهجة وسرور من قيام وأذكار متنوعة ومقامات مختارة لفرقة “راحة الأرواح”. و اختتمت الفعاليات بتناول وجبة العشاء و الطبق التقليدي الجامع للشملالذي لا يمكن الإستغناء عنه ولا التفريط فيه. طبق الكسكسي جاز الله الخيرين المحسنين القائمين خير الجزاء وخلف عليهم بخلفة الخير.
وفي اليوم الثالت اختتمت الأيام المحمدية بديار الغربة، بأرض المهجر، في طبعتها السنوية في أحسن وأحلى حلة بإتمام البرنامج المسطر، حيث افتتحت بعد الظهيرة بمجالس الذكر للشباب، تليت خلاله الشمائل المحمدية لصفات الحبيب المصطفى وأخلاقه وسيرته العطرة وتواصل البرنامج إلى ما بعد العصر بإحياء اليوم و ليختتم بعد صلاة المغرب بقراءة الحزب الراتب وسلسلة الأذكار بإشراف الأستاذ “عبد الرحمن” والأستاذ “أيوب” حفظهم الرحمن.
تنشيط الحفل:
كالمعتاد بصمة التنشيط شاهد حي لصاحبها الأستاذ “مصطفى صدقي” أحد الكوادر الإدارية ونشطاء الحركة الجمعوية و النشاطات المسجدية عبر مساجد ومراكز ستراسبورغ وغيرها، كانت حاضرة ومميزة في ثوبها المعهود ككل سنة حفظه الرحمن. ولكن هاته المرة بإشراك عنصر جديد نكتشفه بعيدا عن المنبر والمحراب ألا وهو فضيلة الشيخ “خليلو سيلا” إمام المسجد وخطيب ومشرف مجالس الذكر للشباب.
محاضرات علمية:
تضمنت الأمسيات المحمدية ندوة و محاضرة نشطها كل من الأستاذ “محمد برة” والأستاذ “عبد الحق الكواني”، إضافة إلى جلسات قيمة حضرها جمع من مسلمي منطقة الآلزاس بستراسبورغ بشرق فرنسا وضواحيها، وعددا من الطلبة، وكوكبة الشباب اليافع من الجيل الصاعد، شباب تعلقت قلبوهم بالمسجد، محاضرة بينت المغزى الفعلي من الإحتفال بهذه المناسبة وإحيائها كل سنة والحرص كل الحرض عليها. من تراحم و تأزر و وحدة وتماسك وتآخي في رحاب مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم.
بصمة بلمسة فنية:
بصمت فرقة “راحة الآرواح” بقيادة الشيخ الأستاذ “محمد مصطفى كحيل” السورية القادمة من ألمانيا بصمتها الفنية من ذوق رفيع بإحساس رهيف من خلال مقطوعاتها المختارة والمنتقات من روائع وصلاتها الإنشادية من مقامات وموشحات في مدح الحبيب المصطفى والتي حملت بالفعل راحة تامة ليس للأرواح فقط، بل لجميع أعضاء الجسد بداية من القلب، وصولا للعقل، و التي شنفت مسامع الحاضرين، حيث تفاعل معها الحضور بكل أريحية. خاصة لمقطوعات أديت إستجابة لرغباتهم وطلباتهم، تلبية كانت هدية لمحبي الفرقة ومشجعيها خاصة أن شعارها على لسان قائده الأستاذ “كحيل” نحن جد سعداء طالما أنتم مبسوطين.
معرض الخط العربي:
وككل مناسبة وسنة نظم معرض بسيط مصغر للخط العربي، زينت به واجهة جدران المسجد المتواضعة، من خلال مجموعة من اللوحات الفنية الجدارية الحاملة لعظمة إسم سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
خلاصة القول :
كانت مناسبة جد سعيدة، نسأل الله لها الدوام على مدار السنون والتي تعتبر هذه المناسبة فرصة للمسلمين عامة للتعريف بنبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، للمسلمين نفسهم و لغير المسلمين حبا وعشقا في نبينا الحبيب، ولأجل تقديم الإسلام بصورة واضحة كاملة المعالم ببياض ناصع، يعكس الأخلاق الفاضلة والسيرة العطرة للنبي الكريم، وبالشمائل المحمدية، وذلك لأجل ربط الأجيال الصاعدة بالإسلام والمحافظة على تعاليم ديننا الحنيف، وقد لقي الحفل إستحسانا وتجاوبا وتفاعلا كبيرا من جميع الحاضرين، إذ بات المولد النبوي الشريف يجمع الجالية الإسلامية عامة والمغاربية خاصة بحضور العشرات من أبناء الجالية من مختلف ربوع فرنسا، سواء من المقيمين بستراسبورغ أو الوافدين من ألمانيا وبلجيكا وسويسرا وإيطاليا كما أخبرنا الأخ “لطفي”.
ختامها مسك:
وبختام أمسيات الأيام المحمدية في ذكرى إحياء مولده، اختتمت من خلال حاضريها وغائبها ، برفع الدعاء وأكف التضرع للمولى عز وجل من طرف الشيخ الأستاذ “محمد برة” لعموم عباد الله وللوطن بالصلاح والفلاح لجميع الأمة الأسلامية بكل ربوع المعمورة، و بالشفاء واستجابة الدعاء وتحقيق طموح الجميع، فاللهم أمين فمنا الدعاء ومنك الإستجابة.
التعليقات مغلقة.