أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

نحارب الناجح حتى يفشل و يدعمون الفاشل حتى ينجح

عبد الاله الجوهري

التأمل في ظاهرة نجاح و تألق بعض اللاعبين القادمين من دول العالم الثالث (المغرب نموذجا) ضمن المنتخبات الأوروبية، بعد أن رفضتهم فرق و منتخبات بلدانهم، بدعاوى شتى، من بينها القول للاعب: مستواك ضعيف و لا تصلح الكي تلعب و تنافس، و عليك أن تبحث عن شيء آخر غير ممارسة كرة القدم (نموذج الفلايني)، يجعلنا نطرح سؤال: كيف أمكن لهؤلاء اللاعبين التفوق و ضمان أمكنة رسمية ضمن منتخبات عالمية عريقة، بعد أن حصلوا على جنسيات بلدانها وأصبحوا مواطنين تابعين لها و حاملين لجوازاتها، رغم أن بلدانهم الأصلية رفضتهم و لفظتهم، وزرعت في نفوسهم المرارة و اليأس، فاضطروا للهجرة و الإنتشار في أرض الله الواسعة، هذا قبل التفوق و التألق، أساسا في دول أوروبا المختلفة..
الجواب لايحتاج لكبير عناء، لأنه بارز للعيان و واضح “وضوح الشمس في يوم جميل”، كما قال الفنان عبدالهادي بلخياط في أغنية من أغانيه الشهيرة قبل أن يلبس جلباب الدروشة والخونجة، جواب يتلخص في أن البلدان الغربية تدعم الفاشل حتى ينجح، بينما بلداننا العتيقة الفاشلة تحارب الناجح حتى يفشل.
الإيمان بقدرات الفرد المواطن، و دعم مواهبه مبدأ ثابت في البلدان الكافرة، لأنها بلدان لا تطبق سياسة “باك صاحبي” و لا “أختك صاحبتي”، بل تطبق و تعلم مواطنيها أنهم سواسية في الحقوق و الواجبات، و تدفع بكل وحد أن يظهر مواهبه ويمارس هواياته و يحقق أحلامه دون حقد أو ضغينة أو معاكسة تحد من الأمال أو تغرس نزعة الفشل أو تقتل روح المبادرة في النفس التواقة للظهور و النجاح.
فلاعجب ان وجدنا أسماء مغاربية و عربية، و معها افريقية، ناجحة بأوروبا و القارة الأمريكية الشمالية و حتى الجنوبية، في مجالات عدة، سواء رياضية أو فنية أو سباسية أو اقتصادية، نجاحات تحققت بفضل العناية و التعامل العادل في ولوج كل الفضاءات، التي يحق لكل فرد، كيف ما كان لونه أو جنسه أو عقيدته و أصله، أن يلجها و يستفيد من التراكمات المحققة من قبلفي شتى القطاعات.
هنا بأرض المحبة و الإسلام و حديث “أعن أخاك ظالما أو مظلوما”، تدفعك دولة بلدك و إخوتك لأن تكره وطنك ونسبك وعشيرتك و أصلك و فصلك، و قبل كل هذا نفسك، بل تكره اليوم الذي ولدت فيه مغربيا أو مصريا أو جزائريا أو عراقيا..، و يجبرونك على أن تكفر بقيم الوطن و الوطنية و الإنسان والإنسانية وكل الشعارات الرنانة و التعاليم و المفاهيم البراقة، الداعية إلى ضرورة “التمسك بالعروة الوثقى” و”أحب لنفسك ما تحب لغيرك” و “المؤمن من أمن الناس من لسانه ويده”، و وغير ذلك من التعابير المعروفة المعلومة، التي تحولت اليوم، على يد أبناء قريش و أحفاد عبد الله بن سلول و مسيلمة الكذاب و الأسود العنسي و سجاح الكاهنة، إلى مجرد جمل فارغة جوفاء، جمل لا تحرك ساكنا في أحد و لا تستنهض الهمم، اللهم في لحظات الغيرة على الوطنية الزائفة والتقاليد والقشور البالية، وضرورة حماية بيضة الدين من المهلوسين الفتانين الكافرين..
الأغلبية العظمى من ساكنة بلداننا المقهورة، رموا بكل قيم المحبة وراء الظهور و لبسوا لكل حالة لبوس، فأصبحوا مجرد ذئاب مفترسة، لافرق بين المثقف والجاهل، و لا بين المؤمن والملحد و لا اليميني واليساري. فسادت الإنعزالية و الضرب من تحت الحزام، و غاض احترام الآخر و مساعدته في مستنقع المصالح الشخصية، و الهروب إلى الأمام. يكفي أن تحدث مشكلة تافهة مع أعز صديق لك، لتجده يخرج، في الآن و الحين، ما يخفيه في جعبته من وساخة و دناءة وكراهية رابضة في الأعماق، حيث لايترك، في غالب الأحيان، ولو مساحة صغيرة للعودة ومراجعة الذات، فيجعلك تتساءل: أين كان يختفي كل هذا الحقد قبل أيام؟. و يكفي أن تحقق نجاحا ولو ضئيلا، في مجال من مجالات العمل أو الفن أو الحياة، لترى كل المحيطين بك، يخرجون الأنياب السامة ولأظافر المتسخة و الألسنة المدربة على فن الإغتياب والتشكيك في القدرات، و تفسير ذلك بمنطق الجدات في مقاربتهن للغيب و للغيبيات، مقارات و تفسيرات تتمركز حول معاني “مسيح الكابة” و التزلف لأصحاب الحال و القرار، أو التعاون مع الجهات السرية المعلومة الخادمة المخدومة..
أن تصيبك مصيبة أو تفشل فشلا ذريعا في مهمة من المهمات أو غيرها من حالات الهزائم و النكسات، هي الحالات الوحيدة التي تسمح لك، في بلداننا المأفونة، أن تنال الشفقة و العطف والربت على الأكتاف، مع إرسال عشرات رسائل التضامن والمساواة، و توجيه نصيحة متعالمة مفادها “ولايهمك” و”نحن معك”…..
نعم المصائب في بلداننا وحدها تجعل الجميع يزيل الأنياب ويقطع الأظافر ويهذب اللسان، ليصبح مؤمنا عطوفا ناصحا متضامنا ملاكا، هو الذي كان قبل أيام متكلما قاتلا شيطانا.
لهذا و من أجل كل هذا، نقول: مبروك على كل من هرب وهاجر إلى بلاد الغربة، ووجد هناك طريق الفلاح و الصلاح والنجاح. و عزاؤنا الوحيد، رغم ما يقع لنا نحن الذين صمدنا هنا، رغم القيل و القال و الضرب من الحزام، أننا نحب و ونعشق الأوطان..
وكل كأس لكرة القدم و طاقاتنا المهاجرة المهجورة أكثر تألقا وحضورا.

التعليقات مغلقة.