أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

ندوة دار الشعر بمراكش في مدينة كلميم

أصوات

اختارت دار الشعر بمراكش، ضمن برمجتها الشعرية للموسم الجديد وانفتاحها على باقي الجهات الست في جنوبنا المغربي، أن تنظم تظاهرة شعرية ونقدية في مدينة كلميم، بتنسيق مع جمعية الشباب المبدع وضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان واد نون السينمائي، وذلك يوم الجمعة 27 دجنبر 2024 على الساعة العاشرة صباحا بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة كلميم واد نون.

وتحتضن قاعة الندوات بالمركز فعاليات الدورة الثانية لهذا المنتدى الحواري، والذي سبق تنظيم دورته الأولى في مدينة ورزازات شهر نونبر، ضمن برمجة الموسم الخامس. وتستقصي هذه الندوة مقاربة نسق الصورة بين تقاطعات الشعري والسينمائي، بمشاركة النقاد بوبكر الحيحي، ياسمين بوشفار وفريد بياض. فيما تفتتح الفعاليات يوم الخميس 26 دجنبر، وتحفل بالعديد من الفقرات، واختارت جمعية الشباب المبدع تكريم الشاعر والناقد والإعلامي عبدالحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، والفنان إدريس الروخ.

هذه البرمجة الشعرية والنقدية لدار الشعر بمراكش تستحضر، ضمن استراتيجية الدار، في حرصها الانفتاح المتواصل على باقي جهات الست في جنوبنا المغربي. هذا الجنوب، الذي يزخر بموروثه الثقافي والفني المادي واللامادي، والذي ألهم العديد من عشاق أدب الرحلة والشعر وفنانين عالميين، كي يتركوا أثرا خالدا للإنسانية من خلال نصوصهم المخطوطة وأيضا من خلال أنساق الصور، الفوتوغرافية والفيلمية، المشبعة بتفاصيل التاريخ والأنتروبولوجيا وسحر الصحراء و”سيميوطيقا” الجغرافيات.

ويقارب النقاد بوبكر الحيحي، ياسمين بوشفار وفريد بياض، أنساق الصورة بين تقاطعات الشعري والسينمائي، ضمن رؤى متعددة. لقد تحدث السينمائي الفرنسي جاك كوكتو، ذات مرّة، “محكوم على السينما أن تكون شعرية”؛  هذا الارتباط الأزلي هو ما دفع بأندريه تاركوفسكي أن يعتبر أن الروابط الشعرية، (منطق الشعر في السينما)، “هي مرضية على نحو رائع”، إذ تبدو لتاركوفسكي “ملائمة على نحو مثالي لإمكانية السينما بوصفها أكثر الأشكال الفنية صدقًا وشعرية”. بل ويذهب بعيدا، حين يتحدث عن الاستنباط الشعري، بوصفه أقرب إلى القوانين التي بواسطتها يتطور الفكر، وبالتالي أقرب إلى الحياة نفسها، من منطق الدراما التقليدية.

إن انتقال نسق الصورة، بين سياقي الشعري والسينمائي، ضمن انتقال الكتابي الى السماع وبين انتقال البصري من خلال الضوء وعوالم التقني الى مجال الرؤية. هذا الحس التأويلي للصورة، المبنية على المعطى البلاغي، وأخرى ترتكز على الوسيط التقني، هو ما يجعل من التباسات القراءة والتخييل وفعل التلقي، يؤثر مباشرة على مستويات التلقي النهائي. وهنا، لا نقف عند البنية الداخلية لكل نسق على حدى، وإنما الغرض البحث في وشائج وتقاطعات الشعري والسينمائي ضمن سياق ما تطرحه الصورة لكليهما من بعد تخييلي واستعاري وجمالي.

وأشار تاركوفسكي الى، عملية التداعي وجماليات التلقي وإخصاب التخييل في السينما، إذا ما شكل الشعر ميسما خاصا لإنتاج الصورة السينمائية، فإن تحول نسق الصورة، بما تطرحه من بنى بلاغية وبصرية يصبغ على هذه العلاقة مفهوم الممكن. ولعل التجارب السينمائية الرائدة التي انفتحت على الشعر، من خلال إيجاد صيغ الحوار الممكنة، من انتقال الشعري الى بنية دلالية أوسع، وقدرة السينمائي على إيجاد أسلوب شعري لتجاوز بنية الطابع التقني. ولعل النص الشعري الحديث، بما أصبح يطرح من أبعاد بصرية باذخة، أفضى الى تجسير المسافة بينه وبين نسق الصورة، والتي بدورها أمست تبحث عن استعارات الضوء واللون والتأطير والأبعاد.

إن أفلام مثل “درس البيانو”، “طوق الحمامة المفقود” من خلال ما تطرحه الكتابة السينمائية، باعتبارها كتابة لها بناء و”نحو” وتركيب وأسلوبية وبلاغة وتلفظ، وفي هذا تقترب من اللغة الشعرية، خاصة على مستوى “تمفصل الصورة بالمعنى البياني والبلاغي على أساس التمييز، في الوصف والتحليل والقراءة النقدية أو المقاربة التفكيكية لمتواليات الفيلم، بين الصورة بالمعنى الحرفي (l’image) والصورة بالمعنى المجازي (la figure)، وحينئذ قد تتحول بعض الصور أو اللقطات إلى مجازات واستعارات وكنايات كالتي نجدها في الشعر واللغة أصلا”.

إن قدرة الانزياح، التي تمارسه الصورة السينمائية أحيانا، هو ما تمارسه اللغة الشعرية وصورها. وضمن العديد من المدارس النظرية، والتي اعتبرت الصورة في “الأدب”، بمثابة وحدات “مستقلة داخل الخطاب”، تلجأ إلى التكثيف والمجازية. وهذا ما قدمته أفلام السينما التعبيرية، مثل أفلام برغمان في السويد، وفيلم ساعي البريد (1997) للمخرج رد فورد الذي أنجز انطلاقا من سيرة وحياة الشاعر بابلو نيرودا التي كتبها روائيا أنطونيو سكارميتا، فيلم الجنوب (1983) لفيرناندو صولانا، فيلم “نوستالجيا” و”المرآة” لتاركوفسكي، “الملائكة فوق برلين” فيم فيندرز، “الشعر” لي تشانغ دونغ، “كلب أندلسي” بونويل وسلفادور دالي.

لقد سبق ل”سوزان برنار” أن شددت على “أن الشعر ليس موجودا حصرياً في القصيدة فقط، إذ تتساءل “ألا يوجد الشعر في أشكال وأنماط أخرى كالنثر والتشكيل والموسيقى والنحت والفيلم والمسرح؟”. إن هذه العلاقة العضوية بين الشعر والأشكال الفنية، السينما نموذجا هنا، هي التي ألهمت لويس أراغون وهو يهتف صارخا سنة 1918، “إن السينما تنبثق من الجمالية الشعرية”.

وهكذا تختتم دار الشعر والشعراء مراكش، السنة الميلادية، بكتابة سيرة برنامجها الثقافي والشعري للموسم الثامن، بانفتاح دائم على أفق معرفي وإبداعي يزاوج بين النهل من شجرة الشعر المغربي الوارفة، بأجيالها وحساسياتها وتجاربها، وأيضا من خلال الانفتاح على أسئلة وقضايا الشعر وحوارية الفنون.

التعليقات مغلقة.