ندوة غرفة الصناعة و التجارة و الخدمات: مشروع القانون المالي لم يحمل أي جديد فهو استمرار للمنطق السابق
مكتب الرباط
ارتباطا بالنقاش المفتوح و المواكب للنقاش المطروح حول مشروع الميزانية برسم سنة 2022 و المعروض على أنظار البرلمان ، و سعيا من المهنيين و المرتبطين بعالم الصناعة و التجارة و الخدمات والاستثمار للمساهمة في هذا النقاش المفتوح حول هذا المشروع، باعتبارهم جزءا هاما و أساسيا من مكونات منظومته الإحصائية و الواقعية، نظمت غرفة الصناعة و التجارة و الخدمات لجهة الرباط – سلا و القنيطرة ، يومه الخميس 04 نونبر الجاري ، لقاء دراسيا حول مستجدات المشروع من خلال مقاربة واقعية و موضوعية للمستجدات الاقتصادية و المالية الوطنية و العالمية، و على عادتها في مواكبة النقاش المفتوح حول صدور مشروع قانون المالية برسم سنة 2022.
اللقاء الذي احتضنه مقر الغرفة بالرباط عرف حضورا هاما للفاعلين الجهويين المرتبطين بعالمي المال و الأعمال، و المختصين بمجالي التدبير المالي و الضريبي، و المنعقد في ظروف الإكراهات الصحية و الاقتصادية العامة المرتبطة بجائحة كوفيد 19 ، و ما خلفته من آثار سلبية من المفترض أن يراعيها القانون المالي المعروض على أنظار البرلمان .
و الغرفة، و جريا على عادتها في المساهمة في التعريف بمقتضيات قانون المالية المعروض للمصادقة، و على خلاف السنوات السابقة التي كان يتم فيها التداول في خلاصات القانون بعد أن يتم التصديق عليه في البرلمان، آثرت خلال هاته السنة نهج سياسة قبلية من خلال مناقشة مقتضيات المشروع و إنزاله موضع مساءلة بما يخدم مستقبل الأطراف المكونة للغرفة و يضمن الرفاه للجميع، و التنمية الشاملة للوطن في ظل الازدهار و الرخاء تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، و تقديم تلك المقترحات إلى الجهات السياسية للترافع حولها من داخل قبة البرلمان، خاصة التعديلات المصاحبة للقانون الضريبي المعروض للمصادقة.
“حسن الساخي” رئيس غرفة التجارة والصناعة و الخدمات:
لقد أسفرت التداعيات المترتبة عن انتشار الجائحة عن واقع
اقتصادي و اجتماعي شديد الحساسية.
الندوة افتتحها السيد “حسن الساخي”، رئيس غرفة التجارة و الصناعة و الخدمات لجهة الرباط – سلا و القنيطرة ، و قد عبر من خلالها عن ترحيبه بالحضور عارضا مواكبة الغرفة لكافة المستجدات التي تعرفها بلادنا، خاصة في الشق الاقتصادي، و مذكرا بالسياق العام الذي تعيشه بلادنا و العالم نتيجة الجائحة و آثارها التدميرية على الوضع الاقتصادي و الاجتماعي ، و الإجراءات المواكبة التي اتخذها المغرب في واجهة هاته التحديات الصعبة ، للتخفيف من هاته آثار و وطئ الازمة ، على الرغم من السمة التفاؤلية المسجلة في باب المؤشرات و التي توحي بتحسن الوضع الاقتصادي، إلا ان الخطوات يجب ان تكون في مستوى هاته التحديات و أن يعكس مشروع القانون المالي هذا الطموح و يواكب هاته التطورات و التحولات، و سن قانون ضريبي عادل يراعي هاته الظرفية الصعبة و يصاحب البرنامج التنموي الذي أشر جلالة الملك على تنفيذه لتحقيق المنجزات الكبرى التي تجعل المغرب في مستويات متقدمة على كافة الأصعدة، و هذا لن يتحقق إلا بالرفع من الأداء و تجويد الخدمات، و فتح جسور جديدة للتعاون مع جميع الشركاء.
“رشيد حسناوي” أستاذ المالية العامة بجامعة بن طفيل: لا يهمنا الجانب الاجرائي بل البعد الاستراتيجي” لقانون المالية، لارتباطه بالسياسات العمومية الأخرى، ولا بد من اعتماد مقاربة مدمجة في إطار ورش مستقبلي نسقي
وشمولي والاهتمام بالعنصر البشري هو المدخل من خلال بلورة رؤيا استراتيجية تأخذ العنصر البشري بعين الاعتبار و تتجاوز منطق النظر للعرض على حساب الطلب، و ما يمكن تسجيله على مشروع القانون المالي أنه استمرار للإجراءات المتخذة وللمنطق السابق، و الحال أنه لا بد من اعتماد مقاربة مدمجة في إطار ورش مستقبلي نسقي و شمولي .
بعد ذلك انتقل النقاش إلى البعد الأكاديمي من خلال مداخلة المختصين في المجال ، حيث انبرت مداخلة السيد “رشيد حسناوي”، أستاذ المالية العامة بجامعة بن طفيل إلى رصد واقع السياسات العمومية في ظل القانون المالي لسنة 2022 ، علما أنه أستاذ متخصص في السياسة الضريبية، حيث قال “لا يهمنا الجانب الاجرائي بل البعد الاستراتيجي” لقانون المالية، لارتباطه بالسياسات العمومية الأخرى ، و حث على ضرورة ربط هاته المضامين بواقع السياسات العمومية، و المؤشرات العامة توحي بآفاق إيجابية على الرغم من المؤاخذات العديدة على المشروع، إذ تم رفع الحجم من 230 مليار درهم الى 245 مليار درهم، و هذا الوضع ستستفيد منه المقاولات المغربية بالدرجة الأولى إضافة إلى رغبة المشروع تشجيع الاستثمار لتحقيق النمو، مع تسجيل استمرار الحكومة من خلال المشروع المالي في دعم بعض المواد الأساسية، ضمنها غاز البوتان و السكر و القمح الطري.
و في السياق ذاته عرج الخبير المالي و الأستاذ بجامعة بن طفيل على ملامسة واقع السياسة الضريبية و ربطها بالسياسة الاقتصادية و الاجتماعية، و في هذا الصدد تم تسجيل استمرار الإعفاء الضريبي لبعض الشركات الصناعية الكبرى ضمن مناطق التصريح الصناعي و شركات الخدمات، و لكن في المقابل تم إحداث ضرائب جديدة أقرت سنة 2021 و أبقي عليها في القانون المالي ، و هي ضرائب تشكل عبئا على التاجر الذي يعيش وضع التهديد أمام العلامات التجارية الكبرى ، خاصة التركية منها، مع استمرار تطبيق التبادل الحر مع تركيا ، و هو نفس الوضع الذي تعيشه بعض الصناعات التقليدية و التي هي في طور الانقراض نتيجة هاته المنافسة غير المتكافئة من طرف المنتجين الصينيين والكوريين وحتى المصريين في ظل غياب أية حماية للمنتوج الوطني، و كان المتضررون ينتظرون دعما حكوميا من خلال هذا المشروع لهاته القطاعات الهشة، لكن الواقع عكس خيبة أمل هؤلاء المتضررين نتيجة استمرار الضغط الضريبي على هاته الفئات، و الذي لم يراع واقعي المنافسة و كورونا بما حملته من أزمات لم يأخذها المشروع الحكومي بعين الاعتبار، في المقابل استفادت بعض القطاعات الأخرى من بعض الإعفاءات، علما ان المغرب يشكل استثناء حتى على صعيد دول المغرب العربي، إذ نجد ضغطا ضريبيا كبيرا في المغرب مقارنة مع دول شمال إفريقيا “31 في المغرب،الأردن،20…”، نفس الوضعية يمكن عكسها على صعيد القيمة المضافة التي تسجل في المغرب 20 في المئة، فيما لا تتعد في تونس 18 في المئة، و في مصر 14 في المئة …. ، فمشروع القانون المالي إذن لم يعكس هذا الطموح، مع تسجيل أيضا ضعف في مردودية تحصيل الديون الجبائية في مقابل ارتفاع في مؤشر عدد الشكايات.
و ما يزيد من تعقيد الوضعية هو تنازع الاختصاصات بين لجان المنازعات الضريبية المحلية و الجهوية و الوطنية ، المحدثة للبث في النزاعات، مما يؤثر على نجاعتها و فعاليتها ، لأن رئيس اللجنة الوطنية هو قاض يعين من طرف رئيس الحكومة و لا يكون له أي اطلاع أو إلمام بالمجال، لأنه غير متخصص في المجال الجبائي، لعدم وجود تخصص في القضاء الجبائي، فالتعيين يجب أن يتم من خلال الخبراء المرتبطين بالمجال.
وضعية السياسة الاقتصادية والتشغيل ضمن مشروع قانون المالية وفي ظل ظروف كورونا فاقمت المشاكل الماكرو اقتصادية عبر تسجيل ارتفاع في نسبة العجز والبطالة، ولتجاوز هاته الوضعية يجب اللجوء للعمل من خلال سياسات قطاعية تأخذ الأولويات بعين الاعتبار، كالماء و الطاقة و الغداء، فكوب 26 حمل مشكل الطاقة إلى الواجهة من خلال ما حمله من مستجدات، و الذي يجب أن يواكب محليا عبر سن سياسة تروم إلى تشجيع الاستثمار في الطاقة النظيفة في إطار الانتقال الطاقي في المغرب.
و تجاوز الآثار السلبية المؤثرة على الوضع الاجتماعي و خاصة الارتفاع المهول في نسب البطالة المسجلة، و حمولتها على مستوى تشغيل الشباب من خلال فشل تجربة المقاول الذاتي نتيجة الغموض الذي اكتنف التجربة و غياب المصاحبة و التكوين في الثقافة المقاولاتية و المحاسباتية، و عدم القدرة على تجاوز السياسة الاجتماعية التي تم سنها خلال الثمانينات و بالضبط مند سنة 1983 “التقويم الهيكلي” بآثارها السلبية على مجالات التعليم و الصحة …، و الناتجة بالأساس عن غياب رؤيا استراتيجية .
مجمل الدراسات تبين أن لا تعليم بدون صحة و لا تنمية بلا تعليم ، هناك تداخل بين كل المكونات ، فالصحة الجيدة عامل أساسي لتحسين المردودية و الاقتصاد، و إصلاح التعليم و الاهتمام بالصحة يشكلان المدخل لكل عملية تنموية والتي يجب أن تواكب بالتوفر على بنية تحتية متطورة تستوعب هذا الزخم ، و المدخل هو الاهتمام بالعنصر البشري ، في حين أن المشروع أعطى أهمية للعرض على حساب الطلب .
عموما، فإن ما يمكن تسجيله على مشروع القانون المالي أنه استمرار للإجراءات المتخذة وللمنطق السابق، و الحال أنه لا بد من اعتماد مقاربة مدمجة في إطار ورش مستقبلي نسقي و شمولي، فحينما يشيد وزير الصحة بالأطقم الطبية في مواجهة كورونا، فهذا جميل، لكن ماذا أعدت الوزارة لهاته الأطقم الطبية لضمان إقامتها في ظروف جيدة و تحسين وضعها المادي الذي يوازي المجهود المبذول من طرفها.
“صلاح الدين كرين” الخبير المحاسب :
يجب إعادة توطيد الأسس و ضمان استقرار جبائي و نص المزيد من التحفيز و الليونة في المجالب الضريبي مراعاة للأزمات، لأن المطلوب من الدولة البحث عن المداخيل و لكن بطرق منطقية.
أما “صلاح كرين” الخبير المحاسب فقد أكد على الظرفية التي تطال العالم داعيا إلى إعادة توطيد الأسس، و هو ما يحدو المغرب كطموح من خلال النموذج التنموي الذي تم اعتماده، و في ظل تعيين حكومة جديدة في بداية مهامها، مشيرا إلى أن مميزات هاته الحكومة هو قلة التدابير الجبائية بالمقارنة مع السنوات الماضية، و هو ما يمكن أن يعكس ذهابا نحو استقرار جبائي، و المطلوب هو نص المزيد من التحفيز و مراعاة الظرفية في التعامل الضريبي الذي بقي ثبتا و لم يراعي الإغلاق الذي فرضته كورونا، بمعنى انتهاج سياسة جبائية متحركة تبعا للظرفية العامة و الاستثنائية التي تمر منها البلاد، فالمطلوب من الدولة البحث عن مداخيل و لكن بطرق منطقية .
“عبد الله اكناو” المحاسب المعتمد:
ضرورة التفكير في الاستقرار و التماسك الاجتماعي
أما “عبد الله اكناو”، المحاسب المعتمد، فقد أكد على التدابير الجبائية المقترحة التي تراعي الاستقرار الاقتصادي في هاته الظرفية و بالتالي الاستقرار الاجتماعي و الحفاظ على التوازنات المالية بما يعكس استقرارا في نسبة النمو و الأسعار حفاظا على التماسك الاجتماعي و تخفيف العبء الضريبي على الفئات المتضررة خاصة التجار
عموما فقد هدف اللقاء الذي كان ناجحا بكل المقاييس في إرساء قواعد مقاربة تشاركية تصاعدية من المهني إلى صناع القرار ، مع التأكيد على إعادة النظر في الأسقف الضريبية و جعلها أكثر عدالة، أي تحقيق العدالة الضريبية، و في توزيع التنمية، و تجاوز منطق اللاتكافؤ المعتمد، ففي الرباط مثلا يتم فرض 10 في المئة على المشروبات الغازية، فيما لا تتعدى هاته النسبة في مراكش 5 في المئة ، و في سلا 4 في المئة، إن المطلوب هو تحقيق العدالة الجبائية و مراعات الظرفية و واقع الأزمات ، و التحلي بنوع من الليونة مراعاة للظرفية العامة في إيقاع الجزاءات .
التعليقات مغلقة.