أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

نصوص من غزة

مريمقوش من مخيم النصيرات

تهاتفني صديقتي، وتسألني بصوتها المشاغب الذي أحبه: في البيت صح؟

وقبل أن أجيب قالت مازحة: وان كنت خارج البيت.. عودي حالا، دقيقة وسأكون عندك..

قلت لها ضاحكة: أنا في البيت، بانتظارك..

المهم حضرت وئام، وقبل أن تلقي التحية، أخرجت من الظرف الذي تحمله بعناية بالغة حبة بطاطا متوسطة الحجم، وهي تقول: انظري! أحضرت هذا معي!

صعقت بطريقةٍ جعلتني أضحك بطريقة سريالية دون أن أعي.. وهي تقول لي: لماذا تضحكين؟ ثمن الحبة هذه ثلاثون شيكل! سنصنع بها معا رقائق الشيبس ونقضي وقتا بدون نكد…

كعادتها، تسأل وتجيب، وقبل أن أعلق بشيء قالت: انظري.. وأنا في طريقي إليك مررت يبائع الوقت فاشتريت منه بطاقات للانترنت، واشتريت منه فيلما كوميديا. صدقيني مللنا من النكد..

قلت لها: لديّ شوكولاتة احتفظت بها لأجلك..

ارتسمت على وجهها ابتسامة كبيرة،  لم أتوقف عن الضحك وهي تقسم لي  أنها اذا شهدت انتهاء الحرب، فإنها ستصنع تمثالا من الشوكولاتة. كما صنع عمر بن الخطاب في جاهليته تمثالا من التمر، لتنظر إليها وتمعن النظر فيه، قبل أن تتناولها..

فرحتُ لهذا التغيير الكبير على وئام، فمنذ أن استشهد أخوها عمار قبل عام لم أرها تضحك هكذا..

المهم، بدأنا بصنع رقائق الشيبس، وهي تقول لي كعادتها: المهم أن نعيش اللحظة، وأن نحصل على سعادة مؤقتة ولو كاذبة.

سرح ذهني قليلا.. وأنا أقلب الرقائق، وأقول لي: وماذا لو أدركنا أن كل هذه السعادة وهميةٌ وكاذبة ومسروقة من الوقت.. ستعود بعد قليل وئام لخيمتها.. ستعود لتتذكر أخاها الذي قتلته الحرب.. وتتذكر بيتها الذي نُسف في الرمال، وأهلها العالقين في الشمال.

حاولتُ أن أتناسى ونحن نحضر الفيلم اصوات المدفعية وأصوات الرصاص التي لا تتوقف شمال المخيم.

ولكنني لم أستطع أن أتجاوز ضحكتها الهستيرية التي ما  تلبث أن تنتهي بنوبة بكاء. ثم تمسح دموعها وتتابع المشاهدة ومرة أخرى ترتفع ضحكتها بصورة هستيرية ثم تدخل في نوبة بكاء أخرى.

كنت أسترق النظر إليها دون أن تشعر، كانت تطعنني ضحتكها تماما كما يفعل بي بكاؤها.. وحينما ربّتُّ على كتفها وقلت لها: اهدئي  أرجوك

أخذت تمسح بطرف شالها دمعها، وتقول مكابرة: تبا لي! لا أعرف لماذا أضحك وأبكي معا؟

احتضنتها طويلا وأنا أقول لها: ابكي وئام.. ابكي لتشفي، لا تكابري كثيرا، فالمكابرة قاتلة..

 

 

 

التعليقات مغلقة.