أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

نظارات سوداء، نظارات وردية!

جمال بدومة

النظارات التي نلبس تحدد ما نراه: اذا كانت سوداء نشاهد القتامة في كل مكان، وإن كانت وردية نرى حديقة كبيرة من الزهور. عشرون سنة مرت على تربع محمد السادس على عرش البلاد، ما يعادل اربع أو خمس ولايات في الأنظمة الجمهورية. الحصيلة ليست سوداء ولا وردية، أشياء كثيرة تبعث على الارتياح والتفاؤل، وأخرى تدعو إلى القلق والريبة.

خلال عقدين من الزمان، تحققت أشياء كثيرة على المستوى الاقتصادي: الطرق السيارة والبنيات التحتية تطورت بشكل مدهش. ميناء طنجة المتوسط، الأول في افريقيا والبحر المتوسط. اكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم تحتضنها ورزازات. “البراق” قصّر المسافة بين طنجة وبقية المدن… ولنتوقف قليلا مع البراق. كثيرون تحفظوا على المشروع وعارضوه لدى الإعلان عنه، بحجج وجيهة: أليس من الأجدر صرف المبلغ الضخم الذي كلفه ال”تي جي في” في توسيع الشبكة الحديدية التقليدية كي تصل الى المغرب غير النافع؟ لكن المشروع ذهب الى نهايته، وحين تاخذ “البراق” اليوم من طنجة الى الدار البيضاء وتصل في اقل من ساعتين، تهتز قناعاتك القديمة مع إيقاعه السريع. النقود في كل الأحوال كانت ستهدر، سواء صرفت على توسيع الشبكة او تسريعها، المهم انها صرفت فيما ينفع!

لكن ال”تي جي في” نفسه يعكس الوجه الآخر للمشهد. هل لان اسمه “البراق” علينا ان نتنقل بإيقاع الحمير والبغال عندما نخرج منه؟ تغادر محطة القطار في الرباط وتخرج لك كتيبة من سائقي التاكسيات: حي الرياض، السويسي، المنزه… لا أحد منهم يقبل أن يأخذك إلى وجهتك، إذا لم تكن متطابقة مع هذه الجهات البعيدة. تصل في ساعة من طنجة إلى الرباط وتنتظر ساعتين كي تعثر على تاكسي!

البلاد تسير بسرعتين. المشاريع الملكية عملاقة وناجحة، والأوراش المحلية التي تسيرها البلديات والعمالات والوزرات، سخيفة ولا تساير الإيقاع. البراق والتاكسي. الأحياء الراقية، والمطاعم الفاخرة، والفنادق الفخمة، تقابلها الدواوير المهمشة وأحياء الصفيح حيث يتكدس الفقراء والبؤساء ومن لم يجدوا مكانا في مملكة محمد السادس.

من الظواهر المقلقة أيضا في السنوات الاخيرة، سيطرة هاجس الهجرة على عقول الشباب من جديد، بعد تراجع ملحوظ. “قبر غريب ولا المغريب”، “ملقاك مع الروكان ولا مع الماروكان”، شعارات اعتقدنا أنا سقطت إلى الأبد، قبل أن تنبهنا المأساة التي شهدتها ليبيا مؤخرا أنها مازالت راهنية. خلال القصف الذي نفذته طائرات المشير خليفة حفتر على مركز لإيواء المهاجرين شرق طرابلس، كانت الحصيلة المغربية ثقيلة جدا: سبعة قتلى وثمانية جرحى وثلاثة مفقودين! ماذا كان يفعل هؤلاء المساكين في بلد دمرته الحرب؟ أي كارثة أكبر من أن يفضل الشباب المغامرة بحايته في أكثر مناطق العالم خطورة على البقاء في البلاد؟

العدالة الاجتماعية مازالت مطلبا بعيد المنال، وحقوق الانسان وحرية التعبير لم تتحول الى مكسب لا رجعة فيه، لذلك خرجت تظاهرات جرارة في فبراير 2011، تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ورغم التفاعل الملكي الإيجابي مع احتجاجات الشارع وإسقاط الحكومة وتغيير الدستور، فإن “حليمة عادت الى عادتها القديمة”، بمجرد اغلاق القوس الذي سمي ب”الربيع العربي”. شهدت البلاد تراجعا في الحريات، واشتدت القبضة الأمنية. وكنا نتمنى الا نصل الى عشرين عاما من حكم الملك وخيرة شباب الريف قابعين في السجن، بعضهم يقضي حكما بعشرين عاما حبسا، ناهيك عن وجود صحافيين وراء القضبان: حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين.

التعليقات مغلقة.