بقلم هدى التسولي
يقول الشاعر “إيليا أبو ماضي” في “الطلاسم” : أنا السائر في الدرب *** أم الدرب يسير لست أدري
سؤال حير العلماء و الفلاسفة منذ فجر التاريخ. بل منذ آمنت البشرية أن لها خالق و مدير لا تفوق قوته قوة، مما أوقع الكثيرين في الحيرة و الإلتباس.. و لم تتوصل جهود العلماء رغم تضافرها من طب و جراحة و علم نفس و تربية و اجتماع الى كشف اللغز الكبير ” النفس البشرية” .
و من الألغاز الكثيرة التي تتفرع عن هذا اللغز الكبير : قدرات الناس و كفاءاتهم، هل هي تتساوى ؟؟ أم ترى الناس يتمايزون من حيث الكفاءات و الاستعدادات الفطرية التي حباهم الله عز وجل بها ، يقول الحق سبحانه و تعالى “وخلقنا بعضكم فوق بعض درجات ” ، و أيضا “و هل يستوي الأعمى و البصير” و ”هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون”.
إذا هناك تمايز بين طبقات البشر منذ بدء الخلق.. أراده الله و فرضه في عباده : تمايز في التكوين، و في التأهيل، و إلا لما كان هناك أعمى و بصير أو عالم و جاهل.. إن الطفل يولد و تولد معه كفاءته العقلية و استعداداته الفطرية فنية كانت أم علمية أم مهنية، كما تولد معه جيناته الوراثية ناقلة إليه حسنات أجداده و سيئاتهم الخلقية.. و كل هذه تنمو و تتطور و تتبدل، و كن جذورها لا تتغير ، و المنابع التي تنهل منها موجودة منذ البداية.. و إلا لاستطاع كل الناس التشابه و الوصول إلى نفس درجات الطموح و الثراء ..أو ليس هذا مطلب تاريخي لكل البشر؟!
يبحث الباحثون و يدرس الدارسون، و يتساءلون جميعا من الذي يصنع ظروفنا و طبيعتنا؟ هل البيئة أم العوامل الوراثية أم الحالة الاقتصادية؟ الأسئلة كثيرة و الحيرة لا زالت قائمة ، فبينما يقول “جون جاك روسو ” : بأن الإنسان يولد بريئا نقيا، و بأن الظروف المحيطة به من بيئته و تربيته هي التي تحدد مصيره.. . يقول سواه بوجود ذكاء فطري و ذكاء مكتسب .. و ما زالت الأبحاث تتوالى ، و يظن الإنسان نفسه في غمرة تطوره العلمي و العقلي بأنه قادر على صنع قراره بنفسه ، بل نراه لا يشك لحظة في قدرته هذه .. كما يدفعه إيمانه على رفض الإعتقاد بأن الله الذي خلقه قد يمنعه من استعمال عقله لأنه قدر له سلفا أعماله و تحركاته .
إن الإنسان يملك العقل ، طبعا العقل يعني الإختيار ، لكن الصدف و الظروف و التركيبات الإجتماعية هي التي تقودها في النهاية إلى اختيار ظننا أنفسنا قمنا نحن بصنعه، و يضيق المجال هنا لمناقشة موضوع أفنيت في دراسته آلاف الكتب و عالجته أكبر الأدمغة و ما تزال .
التعليقات مغلقة.