محمد حميمداني
نزل آلاف الأشخاص ، اليوم الثلاثاء ، في تظاهرة حاشدة وسط مدينة “خراطة” الجزائرية ، التي تعتبر إحدى مدن ولاية “بجاية” التي تبعد حوالي 300 كلم شرق الجزائر العاصمة ، و ذلك إحياء للذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي ، الذي أطاح سنة 2019 بعهد الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة” ، بعد 20 سنة من الحكم .
و شارك في هاته التظاهرة وجوه تنتمي للمعارضة الجزائرية ، من بينها رئيس حزب “التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية” ، “محسن بلعباس” ، و رئيسة حزب “الاتحاد من أجل التغيير و الرقي” ، “زبيدة عسول” .
و وفق أشرطة الفيديو التي تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي ، فقد عرفت التظاهرة مشاركة للجزائريين من مختلف المدن الذين قدموا لإحياء الذكرى .
و للإشارة ، فمدينة “خراطة” ، تعتبر مهد الحراك ، حيث كان مسرحا للأحداث الأولى التي أطاحت بنظام “بوتفليقة” .
المتظاهرون طالبوا من خلال الشعارات التي رفعت ب “تلبية كافة مطالب الحراك من أجل تحقيق تغيير النظام” ، مرددين شعارات الحراك المطالبة بتحقيق”تغيير عميق” و “رحيل النظام برمته” ، “من أجل استقلال الجزائر” و “تبون وصل بالتزوير” و “الجنرالات في سلة المهملات” … ، ملوحين بالأعلام الجزائرية و الأمازيغية ، كما دعا المتظاهرون إلى إطلاق سراح معتقلي الحراك ، حاملين صور رموزه “خالد درارني” ، “إبراهيم لعلامي” و “رشيد نكاز” .
يشار إلى أن التمديد ل “بوتفليقة” ، لولاية خامسة ، قاد إلى حراك شعبي عفوي عارم يوم 16 فبراير من سنة 2019 ، بمدينة “خراطة” ، التي انطلقت منها الشرارة الاحتجاجية الأولى ، قبل أن تعم كل أنحاء البلاد .
و كانت عدة مسيرات قد نظمت ، مؤخرا ، بالعديد من المدن الجزائرية ، ضمنها “الجزائر العاصمة” و “الأغواط” و منطقة “القبائل” ، متحدية قرار حظر هاته التظاهرات ، و قد جاءت للتعبير عن التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان ، و المطالبة بالكرامة ، و إرساء نظام ديمقراطي حقيقي .
و كانت المحطة الإذاعية “إم” الجزائرية ، قد ذكرت أن “مئات المتظاهرين تجمعوا وسط المدينة” تحضيرا لمسيرة مقررة في وقت لاحق من الصباح .
فهل تكون هاته الحركات الاحتجاجية الشعلة لحراك جزائري ثان ؟
كل المؤشرات تشير لذلك ، خاصة مع صدور دعوات مؤخراً لتجديد الحراك الشعبي ، احتجاجاً على عدم حصول أي تغييرات جذرية في البلاد ، و عودة القمع و الاعتقالات بحق النشطاء .
الأكيد أن النظام الجزائري قد استفاد من جائحة كورونا التي أوقفت شرارة الحراك ، و هو الأمر الذي استغله النظام الجديد لاعتقال عدد من قادة الحراك و ناشطيه، و فرض مزيدا من القيود على التظاهر ، بحجج مختلفة .
“مايكل العياري” ، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية قال إن “الدولة و أجهزة الإعلام في الجزائر تحاول أن تقنع الشعب بأن الربيع العربي مرتبط بعدم الاستقرار و الإرهاب ، و أن المظاهرات و الانتفاضة ستقودان إلى حرب أهلية و عنف إسلاموي” ، مثلما شهدت الجزائر إبان “العشرية السوداء” في تسعينيات القرن الماضي .
لكن 2019 محت هذا الخوف ، بعدما أجبرت “بوتفليقة” و نظامه على الرحيل مكرها بقوة الحشود العفوية التي نزلت للمطالبة بتنحيته مع رموز الفساد في دوائر الحكم ، و ما تلا كل ذلك من مسرحيات انتخابيه أوصلت “تبون” للحكم ، ليمرر بعد ذلك تعديل دستوري في أكتوبر سنة 2020 ، قيل حينها أنها ستحدث تغييرات في العقيدة العسكرية للجيش الجزائري ، و أنها ستقلص من صلاحيات سلطة الرآسة ، لكن الواقع عكس نقيض الخطاب الرسمي ، وفق خبراء قانونيين .
علما أن الاستفتاء على تعديل الدستور و الانتخابات الرآسية ، لقيتا مقاطعة شعبية واسعة ، بحجة أن ما يقع هو “تبديل للوجوه” أما جوهر النظام فلا زال قائما .
فهل تسكون مدينة “خراطة” بوابة ربيع جزائري ثان لهدم أسس الاستبداد ؟
الباحث “مايكل العياري” قال إن “المؤسف هو أن في الجزائر مقولة ، البلاد دائماً على بعد خطوة من الفشل ، عندما ننظر إلى الحراك الشعبي ، فإن المظاهرات التي دامت شهوراً انتهت نهاية سيئة . حالياً لم يتغير شيء في البلاد ، كما أن جائحة كورونا أجبرت المظاهرات على التوقف ، هناك محاولات لتنظيم الحركة الاحتجاجية عبر الإنترنت ، و لكن ما تزال هناك قيود على حركة المواطنين بسبب كورونا” .
الصحافي الجزائري “حسين بللوفي” من جهته قال إن “المفارقة هي أنه منذ بدء الحراك ، نجح من هم في السلطة في تقييد الحريات تدريجياً . فالمظاهرات قُمعت ، و جرى اعتقال العديد من النشطاء ، و أصدرت أحكام في حقهم ، و السلطة القضائية باتت تحت سيطرتهم” .
تطورات مطالب الحراك وضعت بوصلة النقد في اتجاه الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” ، المتواجد في ألمانيا للعلاج من إصابته بفيروس كورونا ، فيما يترك المواطنون للنظام الصحي المتهالك .
“فرساوي” قال “أنا واثق من أن أصحاب السلطة لم يعودوا قادرين على التعافي كما في السابق . في السابق كانوا يستغلون وسائل الإعلام للتأثير على الرأي العام ، لكن اليوم لا أحد يصدقهم ، و بدأ الناس يتجهون إلى وسائل التواصل الاجتماعي . كما كانوا يستغلون الأحزاب السياسية ، التي لا يثق بها أحد اليوم . و تذرعوا بالأمن ، و هي حيلة يعرفها كثيرون تهدف إلى تشتيت الحراك . في السابق كانوا يستغلون عائدات النفط لشراء السلم الاجتماعي ، لكنهم اليوم لم يعودوا يملكون المال الكافي لذلك” في إشارة للأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر مع تراجع عائدات النفط و الغاز و ارتفاع حدة البطالة ، و قد اعتبر خبراء الأمر أشبه ببرميل بارود على وشك الانفجار في وجه حكام البلاد .
التعليقات مغلقة.