الانتقام هو عمل ضار ضد شخص أو كيان ما، الظلم والانتقام سلسلة من الشر متصلة مفرغة لا فكاك منها، الانتقام هو دائما أعنف من العنف ذاته، هو استجابة لمظلمة حقيقية أو متصورة.
أن تكون عربيا مغربيا ونجما من نجوم اللعبة الشعبية الأولى على المستوى العالمي، فهو حقيقة قد تدفع ثمنها غاليا وأنت في بلاد الفرنسيس.
إن كرة القدم حاليا هي اللعبة الأكثر أهمية وشعبية، وهو ما تثبته نسب المشاهدة والمتابعة لها، فليس هناك رياضة أخرى تتحدى هيمنتها على المستوى العالمي، سواءً في العروض أم الممارسات، ونسب المشاركة فيها.
ستجد كرة القدم تقريبا عند كل مناقشة تجلب الحماس والشغف والجدال، إنها رابط اجتماعي قوي، تهم كل الفئات العمرية لأي مجتمع، وقد يتجلى رابطها الاجتماعي في رابطات المشجعين الذين يجدون في مدرجات الملاعب ملاذًا للهروب من القيود الاجتماعية والسياسية المفروضة عليهم في الحياة العادية، التي تخضع لقيود قانونية وأعراف اجتماعية لا يمكن الفكاك منها بسهولة إلا في مدرجات الملاعب، وهذا ما عبر عليه الكاتب ألبير كامو بقوله: “لا يوجد مكان في العالم يكون فيه الإنسان أكثر سعادة من ملعب كرة قدم”.
هل يمكن لكرة القدم أن تكون قوة سياسية لا يستهان بها؟ هل يمكن لكرة القدم أن يكون لها القدرة على إنهاء حرب أو اصلاح خلل وظيفي في دولةٍ ما؟ في كل الحالات يمكن استغلال كرة القدم في جلب الانتباه لقضية ما أو الترويج لقضية رأي عام لا يتحدث عنها الاعلام كثيرًا.
نموذج لتقارب السياسة بالرياضة وبخاصة كرة القدم هي المباراة التي جرت بين فرنسا والمغرب في نصف نهائي مونديال قطر 2022، فرنسا لم تكن على استعداد لخسارة المباراة بالمطلق لبعدها السياسي والتاريخي بين البلدين، وهو ما يمكن تفسيره بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المنصة الشرفية على غير العادة، بعدما كان يكتفي رؤساء الدول بالحضور فقط عند بلوغ منتخبات بلادهم للمباراة النهائية، وغياب تميم بن حمد أمير قطر على غير العادة، وهو الذي تابع معظم لقاءات المنتخب الوطني المغربي السابقة في المونديال القطري.
وما زاد من الشكوك هو حرمان المنتخب الوطني من ركلتي جزاء واضحتين فاضحتين في زمن الفار، ثم أتبعها أشرف حكيمي بعد نهاية المباراة الترتيبية أمام كرواتيا بحركة تكبيل اليدين فوق الرأس، وما لها من دلالات رمزية.
كان في مقدور أشرف حكيمي اللعب لمنتخب إسبانيا، ولكنه اختار أن يكون المغرب هو الطريق لمشواره مع اللعبة، حتى استطاع هذا الموهوب أن يصنع تاريخا جديدا لـ “أسود الأطلس” مع مجموعة من زملائه المقاتلين في مونديال 2022، بعد التأهل للمربع الذهبي في نسخة استثنائية بالنسبة للمنتخب المغربي.
وقصة حياة هذا اللاعب مثيرة في الكثير من أجزائها حتى استطاع أن يجد لنفسه المكان المرموق بين نجوم العالم في الوقت الراهن.
ولد أشرف حكيمي (25 عاماً) في نوفمبر 1998 لأبوين مغربيين، في مدينة مدريد، كان الأب والأم يبلغان من العمر عند وصولهما إلى إسبانيا 20 عاماً فقط، ولم يكن هناك شيء سهل في بدايات الزوجان، فاضطر الزوج لأن يكون بائعاً متجولاً، فيما وجدت الأم نفسها مجبرة على العمل في مجال التنظيف لإعالة أسرتها.
أظهر حكيمي وهو صبي شغفه بكرة القدم، وبدأ بالتفوق في نادي كولونيا دي أوجيفي، في حي إل بيرسيال، ما دفع كشافي ريال مديد بضمه لفريق الشباب لريال مدريد عام 2006، وعمره ثماني سنوات فقط.
لم تكن الفرص كثيرة مع الريال، وفي سن الـ19 غادر النادي على سبيل الإعارة، لنادي بروسيا دورتموند الألماني، وهناك سرعان ما تفتقت موهبة النجم المغربي، فاستطاع الفوز بجائزة أفضل لاعب شاب أفريقي سنة 2018، وأفضل لاعب صاعد في الدوري الألماني سنة 2019، ويعلن عن ميلاد ظهير أيمن، سيحمل لقب الظهير الأفضل في العالم، والظهير الأفضل في تاريخ المنتخب المغربي بعد سنوات قليلة.
في الدوري الألماني مع بوروسيا دورتموند أثبت حكيمي نفسه كواحد من أفضل الأظهرة في أوروبا خلال موسمي 2018/2019 و 2019/2020، حيث لعب 73 مباراة سجل خلالها 12 هدفاً وقدم 17 تمريرة حاسمة، وفي يوليو 2020 انتقل إلى نادي إنتر ميلان مقابل 40 مليون يورو، وهناك قدم موسما خياليا، ساهم فيه بفوز فريقه بالدوري الإيطالي للمرة الأولى بعد 11 عاما من الجفاف للنادي، وشارك في 45 مباراة قدم خلالها 9 تمريرات حاسمة وسجل 7 أهداف، وبعد عام وقع لفريق النجوم الذي شكله باريس سان جيرمان مقابل 60 مليون يورو، وشارك معه إلى حدود كتابة هذه في 62 مباراة سجل خلالها 8 أهداف.
ذهب حكيمي للتجربة مع المنتخب الإسباني، وقضى معه بضعة أيام في لاس روزاس، ولكنه لم ير نفسه في هذا المكان، ولم يشعر بالمودة والحب هناك، وكانت علاقة أشرف الوثيقة بوالديه حاسمة لكي يختار وطنه المغرب ليلعب بصفوفه، وفي سن الـ16 عاماً وتحديداً 2016 ظهر مع المنتخب المغربي تحت 20 و 21 عاما.
ويحمل حكيمي الكثير من الحب لوالديه، وهو ما ظهر بشكل جلي في القبلة التي وضعها اللاعب على حبين والدته أمام أنظار العالم في مونديال 2022، مؤكداً بذلك تقديره لوالدته وما قامت به لأجله ليصل إلى ما وصل من نجومية واحترافية، وهو ما أكده اللاعب بنفسه أكثر من مرة في خرجاته الإعلامية.
اختلطت على المغاربة مشاعر الفرح والخوف ليلة الاثنين وصبيحة الثلاثاء، بعد أن تدافعت أخبار سارة باختيار اللاعب الدولي المغربي أشرف حكيمي ضمن التشكيلة العالمية في حفل جوائز الفيفا “ذا بيست”، لتزاحمها على صدارة الاهتمام تلك الحزينة أو السيئة التي تفيد بفتح تحقيق من طرف النيابة العامة في فرنسا ضد نفس اللاعب في قضية اغتصاب.
السيناريو الذي لم تنته تداعياته لحد اليوم، المتعلق بإدانة المغني المغربي سعد المجرد، انتصبت مشاهده أمام هذا الاتهام الجديد الذي وجه مرة أخرى لأحد النجوم المحبوبين في المغرب، وما عبّر عنه المغاربة في تدوينات عديدة وكثيرة جدا، من خوف على أن يكون مصير حكيمي مثل الذي لقيه المغني الشاب.
من جهتها تلقفت المواقع الإخبارية الخبر بدهشة، وكانت العناوين متباينة فيها، إذ هناك من حافظ على مسافة المهنية والحياد بنشره كما هو دون توابل التأويل، ومنها من سار على درب التشكيك منذ اصطدام أنصار المنتخب المغربي وعشاق نادي باريس سان جيرمان الفرنسي يوم الجمعة الماضي عندما وجهت تهمة الاغتصاب الى النجم أشرف حكيمي، مندهشين من هكذا اتهام لما تعرفه عن النجم المغربي من حسن الخلق، فيما أكدت محاميته أن ما حصل هو محاولة أبت عندما نقرأ كل حين وآخر عن تورط نجم كرة قدم بفضيحة أخلاقية أو جنسية، وهي في تزايد مضطرد، فإن نوعاً من الشك سيساورنا، عن احتمالية تعمد التشهير بالنجوم أو حتى إسقاطهم بتعمد في ارتكاب الخطأ، فعلى مدى السنوات الماضية كان أشهر من عانى من اتهامات باطلة أثبتت كذبها لاحقاً، النجم الانكليزي السابق ديفيد بيكهام، ومن بعده الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو، وحالياً يوضع تحت الحجز في السجون الإسبانية النجم البرازيلي داني ألفيش، وكلها اتهامات بالتحرش ومحاولات الاغتصاب، وبينما تمت تبرأة الأول والثاني، فان الثالث لا يزال في السجن ينتظر الحكم.
ونجم آخر هو المدافع الفرنسي بنجامين ميندي حبس وحوكم في آخر سنتين إلى أن تمت تبرأته من سبع تهم بالاغتصاب والاعتداء، وستعاد محاكمته بتهمتين، لكن في النهاية فقد مكانه في تشكيلة مانشستر سيتي، وحتى لو عاد إلى الفريق فإن سمعته تلطخت، عدا عن فقدانه للياقته البدنية التي تمكنه من اللعب على أعلى مستوى في أشرس دوري في العالم.
تركيزي على براءة النجوم، رغم أن هناك حالات جرمت أصحابها، على غرار حالة مهاجم مانشستر يونايتد الصاعد مايسون غرينوود الذي أسقطت تهم الاعتداء بوحشية والاغتصاب عنه، بعد تسوية مالية مع الضحية والشهود، لكن هذا لم يمنع ناديه من فتح تحقيق واستمرار تجميده عن اللعب إلى حين التأكد مما حدث وليس من نطق المحكمة، لكن هناك حالات عدة بات فيها النجوم هم الضحايا بسبب اتهامات زائفة وادعاءات كاذبة، وعبر التخطيط والترصد والتنفيذ للإيقاع بالنجم الكروي في فخ الخطأ، ومن ثم محاولة ابتزازه مالياً، والأخطر تشويه سمعته وبالتالي تدمير مسيرته الكروية.
وقام المدعي العام بباريس، الخميس الماضي باستجواب أشرف حكيمي، بعد اتهامات من امرأة تبلغ من العمر 24 عاما بتعرضها للاغتصاب في منزل اللاعب في فرنسا في 25 فبراير الماضي، وقالوا إن رقابته القضائية تمنعه من التواصل مع الفتاة.
ومع ذلك، فهو مخوّل بمغادرة الأراضي الفرنسية، أي ان الادعاءات ليست خطيرة، خصوصا أنه حضر تدريبات النادي في اليوم التالي.
وأعلن ناديه باريس سان جيرمان دعمه له، بل أكد مدربه كريستوف غالتييه قال إن: “الهدف أن يكون جاهزا لمباراة بايرن ميونيخ» في اياب ثمن نهائي دوري الأبطال الاربعاء في ألمانيا”.
التعليقات مغلقة.