أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

هل تؤدي مزيلات العرق للإصابة بالسرطان؟

إعداد المرحوم د. مبارك أجروض

انتشرت في الفترة الأخيرة العديد من المقالات والمنشورات والفيديوهات التي تتحدث عن أضرار بعض أنواع مزيلات العرق، وتحدثت بعض هذه الوسائل الإعلامية عن وجود ارتباط بين هذه الأنواع أو المركبات الموجودة فيها وبين الإصابة بسرطان الجلد أو الثدي، فهل هذه المعلومات دقيقة؟ وهل نمتنع عن استخدام هذه المزيلات تفادياً لهذه الأخطار؟ في هذا المقال نستعرض هذه الأخطار، ونناقشها بشكل علمي وموضوعي.

 

الفارق بين مزيلات العرق ومضادات التعرق

بداية علينا أن نفرق بين نوعين من المنتجات التي تساعد على التخلص من روائح العرق، فهناك:

ـ أولاً مزيلات رائحة العرق وهي منتجات للعناية بالجلد تعمل على منع رائحة العرق الكريهة، ومبدئياً يجب أن نعلم أن العرق الذي يفرزه الجسم لا رائحة له، لكن البكتريا الموجودة على سطح الجلد تعمل على هضم الدهون والبروتينات الموجودة في العرق لتنتج هذه الرائحة غير المرغوبة، وتحتوي مزيلات العرق على مركبات تمنع نمو البكتريا لمنع هذه التفاعلات، وبالتالي منع الرائحة. بالإضافة إلى ذلك، قد تعمل هذه المزيلات على تقليل أعداد البكتريا الموجودة في هذه المنطقة، وبالتالي تقلل المشكلة بصورة أخرى.

ـ النوع الثاني هو مضادات التعرق التي تتقدم خطوة أخرى لمحاربة رائحة العرق، فبالإضافة إلى قيامها بعمل مشابه لمزيلات العرق عن طريق تثبيط نمو البكتريا، تقلل مضادات التعرق من كمية العرق التي تفرز من الأساس، وتحتوي هذه المضادات على مركبات (عادة أملاح الألمونيوم) التي تقلل من كمية العرق الذي يفرز من الغدد العرقية عن طريق عمل سدادات مؤقتة في الجزء العلوي من هذه الغدد، وهذه السدادات يتم إزالتها عبر الوقت عند الاستحمام وعن طريق تجديد الخلايا في هذه المنطقة.

العلاقة المزعومة بين مضادات التعرق والسرطان

الادعاءات الخاصة بتسبب هذه المركبات في الإصابة بالسرطان تتركز أساساً على مضادات التعرق، حيث تشير هذه الادعاءات إلى أن امتصاص مركبات الألمونيوم الموجودة في مضادات التعرق تتم عن طريق الجلد من خلال جروح الحلاقة في منطقة الإبط، ويقال أن هذه المواد تترسب في العقد اللميفاوية تحت الإبط (هذه العقد تمثل جزءاً من جهاز المناعة إذ تعمل على فلترة بعض المكونات الضارة لحماية الجسم من العدوى والأمراض)، حيث تعجز العقد اللمفاوية عن التخلص منها نظراً لمنع العرق بواسطة مضادات التعرق، ويترتب على هذا الترسيب تراكم هذه المواد السمية في العقد الليمفاوية، مؤدية لحدوث السرطان طبقاً لهذه الأقوال.

هناك من يرى أيضاً أن هذه المواد التي يتم امتصاصها تشبه في تأثيرها هرمون الإستروجين، ونظراً لأن الإستروجين يمكن أن يساعد على نمو خلايا سرطان الثدي، فقد افترض بعض الباحثين أن مركبات الألمونيوم يمكنها المساعدة على حدوث سرطان الثدي.

 

 يرى أصحاب هذه الفكرة أن حدوث سرطان الثدي بشكل أكثر شيوعاً في المربع العلوي الخارجي من الثدي سببه قرب هذه المنطقة من العقد الليمفاوية المعرضة لمضادات التعرق (يتم تقسيم الثدي على شكل دائرة، ثم يتم تقسيمها بواسطة خط طولي وآخرعرضي يمران بالحلمة إلى أربعة أجزاء، ويُسمى كل جزء من هذه الأجزاء بالمربع، المربع العلوي الخارجي هو الجزء القريب من الإبط).

 

هل هذه الأفكار صحيحة ؟ وهل يتسبب استخدام مضادات التعرق بعد حلاقة الإبط في دخول مسببات السرطان وزيادة خطر الإصابة ؟

ـ ذكرنا في الفقرة السابقة المزاعم الشائعة حول مضادات التعرق، ولكن هل توجد دراسات تثبت هذا.. حتى الآن لا توجد أي دراسة قوية تؤكد بالدليل القاطع أضرار الألمونيوم الموجود في مضادات التعرق أو تسببه في زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي.

ـ يمكن أن تحدث إصابات نتيجة حلاقة الإبط؛ مما قد يتسبب في زيادة احتمالات العدوى الجلدية، وإذا حدثت هذه الإصابة أو العدوى، فقد تتسبب مضادات التعرق في بعض التهيج في هذه المنطقة، ولكن من غير المحتمل أن تتسبب هذه المضادات في زيادة خطر السرطان.

ـ وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدراسات تشير إلى أن نسبة الألمونيوم التي يتم امتصاصها عبر الجلد قليلة؛ حيث تصل النسبة فقط إلى 0.012%، وهي نسبة أقل بكثير مما يتناوله الإنسان في الطعام.

ـ فيما يتعلق بإغلاق مضادات التعرق للعقد الليمفاوية وحبس السموم داخل الجسم، فهذا ليس صحيحاً أيضاً، فالعقد الليمفاوية لا تفرز السموم أو المواد الضارة من الجسم عن طريق العرق أصلاً، وهذا ليس من وظيفتها، بل إن العقد الليمفاوية ليست متصلة بالغدد العرقية من الأساس، حيث تقع هذه الغدد في الجلد، ومعظم المواد السامة التي قد تسبب السرطان يتم التخلص منها عن طريق الكلية في البول، أو عن طريق الكبد في العصارة الصفراوية.

ـ أما بخصوص حدوث السرطان في المربع العلوي الخارجي من الثدي، فهذا أمر طبيعي كذلك، حيث أن أجزاء أو مربعات الثدي ليست متساوية في الحجم، ونصف أورام الثدي تتكون في المربع العلوي الخارجي نظراً لأنه ببساطة يحتوي على الجزء الأكبر من نسيج الثدي.

ـ بالتالي يمكن القول أن نسبة حدوث الأورام في هذا الجزء تتناسب مع كمية نسيج الثدي التي تتواجد فيه، ولا يوجد دليل على أن موقع السرطان في الثدي يرتبط باستخدام مضادات التعرق أو حلاقة الإبط، وقد يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات في المستقبل حتى يتم إثبات وجود هذه العلاقة من عدمه.

ماذا عن مركبات البارابين التي تستخدم كمواد حافظة في مزيلات العرق ومضادات التعرق؟

هذه المركبات تستخدم كمواد حافظة في العديد من أدوات التجميل ومنتجات حماية البشرة وليس فقط مضادات التعرق، وبعض الأبحاث أشارت إلى أن هذه المركبات تشبه في تاُثيرها تأثير هرمون الإستروجين، وأشار بعضها إلى وجود هذه المادة في بعض حالات أورام الثدي، ولكن وجود هذه المادة في هذه الأنسجة لا يعني بالضرورة أنها تتسبب في الإصابة بالسرطان، أما فيما يخص تأثيراتها الشبيهة بالإستروجين، فالإستروجين الذي يتم إفرازه بشكل طبيعي في جسم النساء يمثل أضعاف هذه الكمية والتأثير، وبالتالي فإذا كان هناك تأثير ضار للإستروجين في بعض الأحيان، فهو يأتي من هذا الهرمون الداخلي وليس من البارابين، ومن ناحية أخرى فمعظم البشر يتعرضون بالفعل لمركبات البارابين من مصادر مختلفة، ولكن الدراسات لم تظهر علاقة مباشرة بين هذه المركبات وبين أية مشاكل صحية، بما فيها السرطان، ولكن إذا كنت قلقاً من هذه المركبات، يمكنك تجنب المنتجات التي تحتوي عليها، حيث يظهر اسمها في مكونات المنتج، علماً بأن معظم العلامات التجارية التي تنتج مزيلات العرق ومضادات التعرق قد كفت حالياً عن استخدام البارابين في منتجاتها.

لكن طبيبي المعالج طلب مني أن لا أستخدم مزيلات العرق أو مضادات التعرق قبل عمل أشعة الثدي (الماموجرام)؟

ليس لهذا علاقة بخطر الإصابة بالسرطان، فالطبيب قد يطلب منك ذلك في يوم الفحص نظراً لاحتواء معظم هذه المنتجات على الألمونيوم، والأخير يمكن أن يظهر على شكل نقاط صغيرة في الأشعة، وهو ما يمكن أن يسبب مشاكل في الفحص نظراً لتشابهه مع بعض التكلسات الصغيرة التي قد تمثل إحدى علامات الإصابة بالسرطان، وبالتالي فإن الامتناع عن استخدام هذه المنتجات قبل الفحص يساعد على منع أي حيرة أو تشويش يمكن أن يحدث عند فحص الأشعة الخاصة بك

التعليقات مغلقة.