أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

هل سيختفي COVID-19 في الطقس الحار ؟

إعداد مبارك أجروض

تستقطب اليوم دراسة العلاقة بين الطقس والمناخ من جهة، وفيروس كورونا من جهة أخرى، أعداداً كبيرة من الباحثين وذوي الاختصاصات المختلفة، محاولين التوصل إلى نتائج مقنعة سواء أكانت سلبية أو إيجابية من ناحية تأثير حرارة الجو بصورة ما في حجم تعداد انتشار هذا الفيروس.

ولقد بدأت أولى الدراسات بدأت في الصين، البؤرة الأساسية التي انتشر فيها فيروس كورونا، إذ نقلت صحيفة “تشاينا توداي” عن الباحثة في الجمعية الطبية الصينية، “تانغ تشين”، قولها إن فيروس كورونا يفقد نشاطه بشكل أكبر مع ارتفاع درجات الحرارة، وتمثّل درجة حرارة 56 درجة مائوية أفضل الدرجات التي يتراجع فيها بسرعة نشاط هذا الفيروس. في الإطار نفسه، لاحظت “جامعة تسينغهوا” في بكين أن انتشار فيروس كورونا يكون أكثر في المناطق الأقل دفئاً ورطوبة، وهذا ما يتوافق كذلك مع رؤية “جامعة كوانزو” الصينية، حيث توصل عدد من الباحثين فيها الى أنّ الفيروس ينتقل بشكل أفضل حين تكون الحرارة حول 8,7 درجات مائوية.

وهكذا ترى أن فيروس كورونا المستجد COVID-19 يثير جدلا كبيرا، جدل تضيع الحقيقة العلمية وسط تداول كمية هائلة من المعلومات غير الدقيقة. الشيء الذي حفزنا لنوجز آخر ما توصلت إليه الأبحاث العلمية وتقييم الخبراء والسلطات الصحية في ألمانيا ومنظمة الصحة العالمية.

* فيروس كورونا والطقس الحار

لا يزال من السابق لأوانه معرفة كيفية تفاعل فيروس كورونا المستجد مع الطقس الحار، وإن كان معروفا عن الفيروسات الأخرى من نوع كورونا، أنها تنتشر ببطء شديد في الأوساط الدافئة. ويُعتقد أن السبب يكمن في الأشعة فوق البنفسجية التي تكون أقوى في الشهور الدافئة، والتي تقلص مدة بقاء الفيروسات في الهواء أو على الأسطح، حيث تفقد الكثير من السوائل وتموت.

وعموما، يمكن افتراض أن الطقس الحار قد يؤدي إلى عدد أقل من الإصابات بالفيروس. مع ذلك، فقد قللت منظمة الصحة العالمية الجمعة الماضية من شأن التوقعات بانحسار فيروس كورونا في غضون الأشهر القادمة، وقالت إنه من الخطأ الاعتقاد بأن الفيروس سيختفي خلال فصل الصيف كما لو كان مجرد إنفلونزا.

* خطورة فيروس كورونا

وصف معهد روبرت كوخ خطر فيروس كورونا على صحة الألمان بأنه “معتدل”، وذلك بسبب أن مسار المرض غالبا ما يكون عاديا ولا يتخذ أشكالا حادة. غير أن الأمر يختلف لدى كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من أمراض سابقة، إذ في هذه الحال يمكن للمرض أن يتخذ أشكالا حرجة قد تؤدي أحيانا إلى الوفاة.

* قدرة فيروس كورونا على القتل

الواقع أن الباحثين لم يتمكنوا حتى الآن من التحديد الدقيق لمدى قدرة فيروس كورونا على القتل. ويفترض معهد روبرت كوخ أن نسبة الوفاة لدى المصابين بالفيروس تبلغ 2%، بينما أشارت السلطات الصينية إلى أن هذه النسبة في إقليم هوبي -بؤرة الفيروس الأولى – تصل 2.9%، غير أن العديد من الخبراء الألمان يعتبرون هذا الرقم مبالغا فيه.

والسبب أن غالب الإحصاءات لا تأخذ في الحسبان الأشخاص المصابين بأعراض ضعيفة أو معدومة. وبالتالي فإن النسبة المتداولة إعلاميا حول الحالات الحرجة التي تؤدي إلى الوفاة مبالغ فيها. ويعتبر عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن أن النسبة الحقيقية تقل عن 0.7%. ومع ذلك، لن تتوفر أرقام موثوقة ونهائية إلا في غضون أشهر.

معهد روبرت كوخ وصف خطر فيروس كورونا على صحة الألمان بأنه “معتدل” (رويترز)

* قدرة فيروس كورونا المستجد على الانتشار

لدى فيروس كورونا المستجد قدرة على التكاثر في الجهاز التنفسي العلوي، وهي حقيقة جعلت الباحثين يرفعون درجة قدرته على العدوى والانتشار، عكس ما كانوا يعتقدونه في البداية. ويرى الألماني دروستن أن ما بين 5 و10% من الأشخاص الذين هم على اتصال بشخص مصاب، تُنقل إليهم العدوى. وبالتالي فإن عدوى هذا الفيروس مضاعفة بنحو10  إلى 20 مرة، مقارنة بفيروس سارس الذي تسبب في حدوث وباء عالمي بين عامي2002  و2003.

وبمجرد النظر الى خريطة تَوزيع الإصابات بفيروس كورونا حول العالم، تتبيّن لنا صحة الدراسات الطبية التي انطلقنا منها، فنلاحظ بوضوح أن الدول التي تقع ضمن نطاق المنطقة الحارة (أي الدول الموجودة بين مداري السرطان والجدي وصولاً الى دائرة عرض 30 درجة تقريباً شمالا وجنوباً، والتي يبلغ فيها متوسط الحرارة السنوي ما بين 25 و27 درجة مائوية في الإقليمين الاستوائي والمداري وصولاً الى أكثر من 30 درجة مائوية في الإقليم الصحراويّ)، هي الأقل تأثّراً حتى الآن بفيروس كورونا. هذا النطاق الذي تتوزع دوله بين الأقاليم: المتوسطي، المحيطي والقاري والذي كان تحت تأثير فصل الشتاء، يضمّ اليوم أكبر المناطق الموبوءة حول العالم، من الصين شرقاً مروراً بإيران وقارة أوروبا حتى الولايات المتحدة غرباً، التي أصبحت تتصدّر حتى اليوم قائمة الدول المصابة بفيروس كورونا.

وإذا سلّمنا جدلاً بأن مناعة الدول الموجودة في نطاق المنطقة الحارة والتي تؤكّدها محدوديّة الإصابات المسجلة حتى الساعة (وبخاصة الدول الأفريقية منها التي تشكل إصاباتها فقط 5% من مجمل إصابات المنطقة الحارة)، يوفّرها المناخ الحارّ وليس قلّة الدقّة في فحوصات الكشف عن كورونا (وبخاصة أن أغلبيّة هذه الدول تتميز بهشاشة أنظمتها الصحيّة)، نستطيع القول إن الارتفاع التدريجيّ في درجات الحرارة مع حلول فصل الربيع في النصف الشمالي الموبوء من الكرة الأرضيّة، سيساهم تدريجيّاً في الحدّ من انتشار فيروس كورونا لتتراجع خطورته بحلول فصل الصيف القادم.

التعليقات مغلقة.