أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

هل ظاهرة الاحتجاجات بالمغرب تعبير حر عن انشغالات المواطنين أم نتاج ضعف القنوات الوسيطة؟

خولاني عبد القادر

تعتبر ظاهرة الاحتجاجات تعبيرا حرا عن انشغالات المواطنين ومؤشرا إيجابيا عن اتساع فضاءات الحريات بالمغرب، الحالة التي جعلت المواطنين يعبرون بتلقائية عن مطالبهم من خلال تنظيم وقفات ومسيرات احتجاجية في شكل مجموعات متفاوتة العدد، وأحيانا تكون ضخمة، مع استعمال الفضاءات العمومية، ومؤسسات الدولة، حتى أصبحت الحالة شبه مألوفة.

 

فالمغرب كغيره من دول العالم عرف هو الآخر العديد من الاحتجاجات المبررة وغير المبررة، والتي يغلب عليها أحيانا الطابع السياسي وأحيانا أخرى الطابع الديني، وقد عرفت جل المسيرات مشاركة واسعة للمواطنين، أربكت حسابات الجهات المسؤولة إقليميا وجهويا ووطنيا …..

 

وفي ظل ضعف القنوات الوسيطة وارتباكها في مجال تمثيل المواطنين وامتصاص غضبهم، إضافة إلى عجز الجهات المعنية عن الاستجابة لمطالب المحتجين، ونهجها أسلوب التماطل والتحايل، عوض أن تجد قضايا هؤلاء المحتجين طريقها نحو الحل السليم والسديد، هذا الوضع كرس الأزمة وزاد في تشعبها، فتعالت أصوات منددة، وأخرى محرضة مطالبة برحيل رئيس الحكومة عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة عن المسيرات الاحتجاجية شبه يومية في شوارع جل قرى ومدن وأقاليم المملكة…


الأمر الذي جعل هذه الحركات الاحتجاجية تجمع أحيانا بين السياسة والدين والمطالب الاجتماعية، وأخذت تأخذ مظاهر شاذة وغريبة في بعض الأحيان، من خلال ابتكار أساليب وتقنيات مستحدثة للاحتجاج وغريبة / حرق الذات، الانتحار، التعرض للشنق، الإضراب عن الطعام، إضافة إلى رفع شعارات قوية ومزعجة، تستفز أحيانا الجهات الأمنية مما يجعلها تتدخل بعنف وتستعمل أساليب مهينة أحيانا لا علاقة لها بحقوق الإنسان…

      

فعلا فإن العديد من الوقفات الاحتجاجية تتم بشكل فجائي تلقائي وعشوائي في الطريق العام، وغالبا ما تكون بدون ترخيص قانوني مسبق، غير أن المفروض في الجهاز الأمني أن يتعامل معها بحكمة ويقظة وثبات ويسهم في مرورها بشكل سلمي، حتى يتمكن المحتجون من بعث رسائلهم وكشف قضاياهم ومشاكلهم أمام الجهات المعنية بالتدخل، خاصة الحكومية منها.

 

مما يتطلب فتح نقاش واسع حول التجمعات الاحتجاجية من زاوية علاقتها بالحريات العامة، وخاصة حرية التعبير بكل أشكاله المضمونة في الدستور وفي المواثيق الدولية، وحرية الاجتماع، ومدى ممارستها دون تعارض مع الأمن العام وحقوق وحريات الأفراد، وذلك لعدة أسباب أهمها، التطور الكمي والنوعي الحاصل في الممارسة الاحتجاجية، و خطر التصعيد أثناء خوض هذه الاحتجاجات ، و خطر الاصطدام مع السلطات العمومية المكلفة بحفظ الأمن العام، حيث أن مثل هذه الأحداث يتبعها عادة اعتقال ومتابعة فردية و أخرى جماعية لمجموعات من الأفراد، وتستغرق محاكمتهم مدة طويلة.

 

لذلك أصبح من الضروري التفكير في سبل معالجة هذا الواقع بالنظر لما آلت إليه الممارسة الاحتجاجية من انتشار في الزمان والمكان، وما عرفته عدة مدن مغربية من أحداث، والتي ازدادت حدتها وأصبحت تشكل خطرا على الممارسة الحقوقية والحريات، وهذا لن يتم كذلك إلا بإرجاع المصداقية للأجهزة النقابية والسياسية والوقوف على الأسباب الحقيقية والموضوعية للظاهرة ومعالجتها بشكل فعال..

 

فتزايد الاحتجاجات والإضرابات منها من جاء بفعل التردي في الخدمات الأساسية في عدد من القطاعات، العمومية و الخاصة ، منها غلاء فواتير الماء و الكهرباء، ارتفاع الأسعار خاصة في المحروقات ، ومنهم من  يطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية  والحصول على وظيفة، ومنهم من يتخوف من فقدان الشغل، وآخرون يتخوفون  من شبح الإغلاق الذي يهدد المغرب بسب جائحة كورونا، ومنها وقفات احتجاجية رافضة لقرار حكومي بفرض التطعيم ضد فيروس “كورونا” كشرط للتنقل في البلاد ودخول المؤسسات العامة وغيرها، وأخيرها اعتبار الموظفين غير الملقحين منقطعين عن العمل..

 

زد على ذلك احتجاجات الأطباء ، للمطالبة بتحسين وسائل وظروف العمل والرفع من الأجور وتوفير المعايير الطبية والعلمية من أجل تحسين استقبال المرضى في المستشفيات العمومية، وكذلك احتجاج الأساتذة الممثلين في “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” مطالبين ب”إسقاط التعاقد” والإدماج في النظام الأساسي للوظيفة العمومية، وكذا احتجاج عاملات و عمال الحراسة الخاصة العاملين بالمؤسسات التعليمية و مطالبتهم بتعاقدهم مع الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين، لضمان تطبق قانون الشغل، المغيب تماما في جل الصفقات العمومية خاصة في التعليم و الصحة   والقائمة طويلة و عريضة ….

 

فهذه المعطيات الكمية تؤكد مدى انتشار الممارسة الاحتجاجية، إذ تقع في مختلف المناطق بنسب متفاوتة، وتصاعدية و هي مستمرة في الزمان و المكان وليست ظرفية.

 

رغم اعلان الحكومة في أكثر من مناسبة حرصها الأكيد على إصلاح مختلف القطاعات وتصحيح الوضعية، والاستجابة للمطالب الملحة للمحتجين، إلا أن ما يقوله الغاضبون “أن وعود الحكومة مجرد تطمينات دبلوماسية لا أكثر”، ويظهر من كل هذا أن الحكومة الحالية عاجزة تماما عن حل المشاكل التي تركتها لهم الحكومتين السابقتين.

التعليقات مغلقة.