أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

هل عندنا رَأْيٌ عامّ !؟

د. صلاح بوسريف

ربما أكون هنا، تماهَيْتُ، بصورة أو بأخرى، مع عالم الاجتماع بيير بورديو، في نفيه لوجود رأي عام، في العنوان الذي اختاره ضمن كتابه «أسئلة علم الاجتماع» «لا وجود لرأي عام». لكنني، هنا، أطرح السؤال، بمعنًى إنكارِيّ، أي أنني أسير في عنوان بورديو نفسه، بأن الرأي العام غير موجود، أو هو يوجد بنوع من التَّحايُل، والتلاعب بقواعد اللعب، أو بتكييفها مع ما يريده من يجعلون هذا الرأي، وهو ليس رأي الجميع، بأنه «رأي الكافَّة» و «رأي غالبية من يُعْتَدُّ بهم، والأكثرية ممن هم جديرون بأن يكون لهم رأي».

إذا كان بورديو، يتكلم عن غياب الرأي العام، في مجتمعات ديمقراطية، أو أن هذه المجتمعات تعمل على انتهاك شروط وقوانين هذا الرأي بالتلاعُب به، وفق قواعد لعب ما، وإذا كان الإعلام اليوم، هو من يصنع هذا الرأي العام، أو يُوهِمُنا بوجوده، من خلال استبارات sondages يبدو فيه أن هذه «الكافة» من الناس، قالت رأيها وعبَّرت عنه، وهو «رأي الغالبية»، فكيف يمكن الاطمئنان لهذا الرأي العام عندنا، نحن من نعيش في مجتمعاتٍ، الرأي العام فيه غير موجود، وحتى إذا كان بمعنى من المعاني، فهو غير ناجع، ولا ينبغي أن يحظى بهذه النجاعة، لأن الرأي العام يُصْنَع، وتَتِمُّ فَبْرَكَتُه، للتغليط، والتعويم، ولتمرير الخطابات والقرارت. بمعنى أن الرأي العام، في المجتمعات العربية، هو رأيٌ خارجَ الرأي العام، وينزل من فوق، ويصُبّ في مصلحة الدولة، وفي مصلحة ما تُمْلِيه الدولة، لا ما يريده كافَّة الناس.

الدولة، هي المدرسة، والدولة، هي الإعلام، والدولة، هي المؤسسات التي تحت إشراف الدولة نفسها، وهي المسجد والكنيسة، ما يعني أن قنوات تصريف الأفكار، وتمرير الخطابات، ونشرها وإذاعاتها بين الناس، هي قنوات غير مُتاحة للشعب، وحتى إذا أُتِيحَت، في تُتاح بجرعات، ووفق شروط معينة، لا ينبغي أن يظهر فيها هذا الرأي الآخر، مُؤثِّراً، أو مُقَرِّراً، بل عليه أن يدخل، بدوره، ضمن «فن اللعب مع قواعد اللعب». 

ما أودُّ الذهاب إليه من وراء كل هذا، هو أن فكرة الرأي العام، هي فكرة افتراضية، سواء في المجتمعات الديمقراطية، أو في المجتمعات التي تتمرَّن بصعوبة على الديمقراطية، هي، فقط، نوع من المشروعية التي تسعى من خلالها الدولة إلى كسب مشروعية ناقصة، لأنها، في جوهرها، مشروعية خارج الشرع، أي خارج الرأي العام، الذي تمَّ تضليله، وتحريفة، ووضعُه في غير السياق الذي كان وُضِع له، وهو رأي كافَّة الناس. لا وجود لرأي الكافة، بما يعني، أيضاً، أن الرأي العام، سيبقى مجرد فكرة تتلاعب كل الأطراف بها، لفرض ما ترغب فيه من فكر ورأي وقرار. فالغالبون، ممن يملكون «الجهاز» بتعبير باسكال، أو الأجهزة التي تتحكَّم في قواعد اللعب، هم مَنْ يصيرون «حقيقة الكافة»، وأستحضر هنا، عنواناً لفرج فودة، في كتاب له هام، هو «الحقيقة الغائبة»، أو الحقيقة المُغَيَّبَة بالأحرى. وهو عنوان يشي ببعض معضلات هذا الرأي الذي هو ليس رأياً عامّاً، في عمومه.

هل هناك رأي عام، أظن أن الجواب هنا، هو تحصيل حاصل، لأن السؤال الإنكاري، الذي بدأتُ به هذه المقالة، هو تعبير واضح عن عدم وجود رأي عام، بالمعنى الصَّافي لكلمة رأي عام، لا بالمعنى الملتبس، الغامض، المغموس ببعض التوابل التي تُخْفِي الطَّعْم المُرَّ للمَرَق، أو لبعض ما فيه من خضر وفواكه غير ناضجة.

الرأي العام، يبقى طموحاً، رغبةً، كما يبقى طريقاً لم نسلكه بعد، لأن الرأي العام، بات صناعةً، مثل “صناعة النجوم”، و”صناعة السياسيين”، و”المسؤولين والحُكَّام”. حين يقول بورديو، في سياق حديثه عن الرأي العام، وعن الدور التمويهي للاستبارات «أوْجَدْنا للناس أسئلة غير موجودة بالنسبة إليهم، في حين أن ما يُطرح سؤالا أو مسألة بالنسبة إليهم، هو السؤال نفسه»، أي أن في طرح السؤال، دَسٌّ للجواب، وهذا ما فعلتُه، أنا، أيضاً، حين تساءلتُ، هل عندنا رأي عام، باستعمال علامتَيْ التَّعجُّب، [!؟] قبل الاستفهام، وهذه إشارات، ما لم نقرأها ضمن اللغة، فاللغة نفسها ستبقى عندنا ناقصة، تحتاج إلى ما يؤجِّج معناها، أو ما فيها من مغزى واعتبار

التعليقات مغلقة.