لم تكن “المصافحة” التي جرت بين الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” والرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، في افتتاح كأس العالم 2022 بقطر أمراً عفوياً، فقد تطلب الحدث مباحثات بين أجهزة المخابرات للدولتين، واتصالات على مستوى مختلف المستويات الإدارية والحكومية لكسر الجليد المتراكم منذ سنوات.
أصبحت “المصافحة”، بين الرئيس “رجب طيب أردوغان” ونظيره المصري “السيسي”، موضوعاً رئيسياً في الأخبار السياسية للعديد من البلدان، ولا سيما دول الشرق الأوسط.
وسارعت المعارضة التركية وبعض المنابر الإعلامية، إلى انتقاد “أردوغان” على هذه الخطوة، وذكّرته بموقفه السابق اتجاه “السيسي” واتجاه إسقاط الجيش لحكومة الإخوان المسلمين.
وأنا كصحفي لا أتفق مع هذه الانتقادات، مع تأييدي لموقف “أردوغان” ضد الانقلاب العسكري عام 2013 ونظرته السلبية لحكومة “السيسي”، لأنني أعتقد أنه كان من الصواب التصرف على ذاك النحو كخطوة طبيعية وديمقراطية للتوافق مع الحكومة المنتخبة ديمقراطياً ضد التدخل العسكري الوحشي.
ولكن اليوم وبمرور السنين، وقعت العديد من الأحداث الهامة، ولا تزال حكومة “السيسي” تدير البلاد منذ فترة طويلة بالرغم من المحاكمات الجائرة في مصر، وصار من الواجب على تركيا بناء علاقات جيدة مع القاهرة من أجل المصالح المشتركة لكلا البلدين.
تطور العلاقات الثنائية:
صرح المتحدث باسم الرئيس المصري “بسام راضي”، أن تلك “المصافحة” بين الزعيمين ستكون بداية لتطور العلاقات الثنائية، وفي غضون ذلك قال “أردوغان” أيضاً أثناء عودته من قطر، إن المزيد من الإجراءات ستتبع حدث “المصافحة” بغرض إعادة بناء العلاقات.
وأوضح: “العلاقات التاريخية بين الشعبين التركي والمصري مهمة للغاية بالنسبة لنا، ما الذي يمنعها من أن تكون على هذا النحو مرة أخرى؟ لقد قدمنا دليلاً على حسن نيتنا”.
ولم تكن ” المصافحة” عفوية على الإطلاق، بل تطلب الأمر محادثات بين أجهزة المخابرات للدولتين والاتصال بين مختلف مستويات الإدارات الحكومية لكسر الجليد على مدى عامين. وباختصار، كانت القنوات الدبلوماسية مفتوحة لتهيئة مناخ مناسب ” لأردوغان” لبث الدفء في العلاقات من جديد.
وكان” للوساطة القطرية “، دوراً كبيراً في جعل تلك “المصافحة” تحدث بحسب مواقع إعلامية، ولكن وسائل الإعلام التركية، نشرت مقالات تزعم أنها لفتة من”السيسي”.
وبحسب التقارير، فإن الزعيم المصري تعامل مع المسؤولين الأتراك بكثير من الود، ما فتح باباً للحوار، ومهما يكن المحفز، فإن هذه “المصافحة” قد تفتح مجالاً جديداً في العلاقات، مع تأكيدي على أنها لا تحل كل القضايا العالقة والتضارب بين مصالح البلدين.
إمكانية حدوث صفقة بحرية:
تمثل قضية ليبيا خير مثال على التضارب في المصالح بين البلدين، ويبقى السؤال معلقاً حول إمكانية إيجاد طريقة لإرضاء الطرفين ،كما يسود ذعر في اليونان بشأن إمكانية إبرام صفقة بحرية بين تركيا ومصر، وفي هذا السياق وذكرت قنوات تركية أن أثينا أرسلت 3 وزراء إلى القاهرة بعد “المصافحة”. فهل كسرت هذه ” المصافحة “بالفعل إطار عمل طويل الأمد؟ استمرت العلاقات الثنائية نوعاً ما تحت السطح منذ عام 2013، ولم ترسل تركيا ومصر سفراء منذ ذلك العام، ما أدى إلى تحالفات مختلفة في البحر الأبيض المتوسط، ويمكن للعودة إلى ظروف ما قبل 2013 أن تغير التوازن الحالي في المنطقة وهو ما يضر بعض البلدان، ومع ذلك، فهي الخطوة الصحيحة لكل من القاهرة وأنقرة، وسيؤدي تعاونهما إلى شرق أوسط أفضل وأكثر سلاماً واعتدالاً.
وبرأيي فإن “السياسة “هي فن التكيف، والقائد المحنك هو الذي يمكنه التكيف مع المواقف الجديدة وتغيير مواقفه تبعاً لمصالح بلاده؛ وأنا أرى أن هذه “المصافحة” هي علامة على التكيف الصحيح.
التعليقات مغلقة.