أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الحق في الصحة ما بين التشريع الدولي والتكريس الدستوري

بقلم: خديجة العامري

 

 

 

 

يعد مفهوم حقوق الإنسان من أكثر المفاهيم تعقيدا في العلوم الإنسانية. إذ تتداخل في تحديده العديد من العوامل السياسية والإيديولوجية والثقافية.

 

 

 

 

تجدر الإشارة، بادئ الأمر، إلى أن حقوق الإنسان هي مجموعة من الحقوق اللصيقة بالإنسان منذ ولادته. والتي يجب على السلطة السياسية احترامها وهي تصوغ القوانين وتمارس السلطة. لأنها حقوق سابقة على وجود الدولة. إذ يستعمل مفهوم حقوق الإنسان كشعار للتأكيد على الالتزام بالقيم الحداثية وبمبادئ حقوق الإنسان. حيث يركز الخطاب السياسي كثيرا على المفهوم. لكن في سياق آخر تميز باستمرار الأنظمة غير الديمقراطية، التي تريد أن تعلن للعالم  أنها أنظمة حداثية. لذلك تستعمل المفهوم كشعار فقط. ومن جهة أخرى وجدت الحركات السياسية المعارضة، من أحزاب ومنظمات حقوقية في مفهوم حقوق الإنسان سلاحا لمواجهة تعسف السلطات السياسية. ونتيجة لذلك تداخل الحقوقي مع السياسي.[1]

ومع توالي الانتهاكات عقب الحرب العالمية الثانية، برزت حقوق الإنسان كفرع مهم من القانون الدولي. حيث أصبح معه المجتمع الدولي أقل استعدادا لغض النظر عن معاملة الدولة لأفرادها معاملة قاسية. بحجة أن ذلك شأن داخلي. وثبت أن انتهاك الحقوق في دولة ما يمس بالسلم والأمن الدوليين، ومن تم يجوز للمجتمع الدولي أن يهتم بها وأن يتدخل لحمايتها. وأصبح من الواضح أن على جميع الدول احترام قواعد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية باعتبارها واجبات داخلية والتزامات دولية.


ويعد الحق في الصحة أحد أهم حقوق الإنسان الأساسية التي جاءت بيها المواثيق الدولية، ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

والعهد الدولي لحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أي الجيل الثاني. مما أوجب على الدول حماية هذا الحق وضمانه. من بينهم المغرب الذي جعل الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها ضمن ديباجته. مؤكدا على سموها على التشريعات الوطنية.

 

ومن هذا المنطلق يمكن طرح التساؤل: هل التشريعات الدولية والوطنية المتعلقة بالحق في الصحة كافية لتمكين الأفراد من التمتع بصحة وخدمات جيدة؟

يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، الصادر عن الجمعیة العامة للأمم المتحدة في 10 -12 -1948 أول وثیقة دولیة تتناول حقوق الإنسان بصورة مفصلة للحق في الصحة. وعلى الرغم من أنه یفتقد للقوة القانونیة الملزمة، إلا أنه دفع إلى إبرام العديد من اتفاقیات حقوق الإنسان. وقد نص في المادة 25 منه بأن ” لكل شخص حق في مستوى معیشة یكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته. وخاصة على صعید المأكل والملبس والمسكن والعنایة الطبیة وصعید الخدمات الاجتماعیة الضروریة[2].

ولقد أشار العهد الدولي للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة لسنة 1966 كذلك لهذا الحق  في المادتین 7 و10 منه. إلا أن الاعتراف الصريح يتبين من خلال المادة 12 التي جاء فیها: 1- “تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمیة والعقلیة یمكن بلوغه. 2 -تشمل التدابیر التي یتعین على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمین الممارسة الكاملة لهذا الحق. تلك التدابیر اللازمة من أجل: (أ) العمل على خفض معدل موتي الموالید ومعدل وفیات الرضع وتأمین نمو الطفل نموا صحیا. (ب) تحسین جمیع جوانب الصحة البیئیة والصناعیة. (ج) الوقایة من الأمراض الوبائیة والمتوطنة والمهنیة والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها. (د) تهیئة ظروف من شأنها تأمین الخدمات الطبیة والعنایة الطبیة للجمیع في حالة المرض” .

إن المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة تمثل أهم الضمانات  للحق في الصحة، خاصة وأنها قد عرفت هذا الحق وأشارت إلى أهم الشروط والمستلزمات التي تؤثر بشكل فاعل في كفالة التمتع بهذا الحق. بل أن هذه المادة مستها تعالیق كثیرة. منها التعلیق رقم 14 الصادر عن لجنة الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة الثقافیة.

كما أكدت المادة 5 من اتفاقیة القضاء على جمیع أشكال التمییز ضد المرأة: على أنه “إيفاء للالتزامات الأساسیة المقررة في المادة 2 من هذه الاتفاقیة. تتعهد الدول الأطراف بحظر التمییز العنصري والقضاء علیه بكافة أشكاله. وبضمان حق كل إنسان، دون تمییز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني، في المساواة أمام القانون. لاسیما بصدد التمتع بالحقوق التالیة: … (هـ) الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة،… “حق التمتع بخدمات الصحة العامة والرعایة الطبیة والضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعیة…. ولقد أكدت العديد من الاتفاقيات الأخرى على هذا الحق كالاتفاقية حقوق الطفل. الإعلان الأمریكي لحقوق وواجبات الإنسان لسنة 1948…

أما المشرع المغربي فقد اعترف بحقوق الإنسان وذلك بالمصادقة على عديد من الاتفاقيات الدولية. ونصت ديباجة الدستور الحالي 2011 على: “جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب. وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة. تسمو، فور نشرها. على التشريعات الوطنية. والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل المغرب ملزما بتنفيذ بنود الاتفاقيات  الدولية بعد المصادقة عليها؟

رغم إلزامية تنفيذ هذه المعاهدات بعد التصديق عليها فقد تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية والتوجهات السياسية لكل دولة. وعلى حسب طبيعة نظامها ومستواها الاقتصادي.

فالتشريع المغربي اعترف والتزم بدستور منظمة الصحة العالمية، وكرسه في دستور 2011 من خلال الفصل [3]31 منه الذي نص على ما يلي: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية. على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
-العلاج والعناية الصحية.
الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة.

ورغم أهمية هذا الفصل. إلا أنه لم ينص صراحة على ضمان الحق في الصحة. بل اكتفى بذكر كلمتي “تعمل” و”تعبئة” فقط. وجعل المسؤولية مشتركة ما بين الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية.

عموما يمكن القول بأن الحق في الصحة مضمون نصيا، سواء على المستوى الدولي، من خلال المواثيق واتفاقيات الدولية. أو الوطني، من خلال الدساتير والتشريعات.

في المغرب، وعلى الرغم من الاعتراف الدستوري والتشريعي بالحق في الصحة، وعلى الرغم من الجهود الوطنية المبذولة لضمان حق كافة المواطنين في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه. إلا أن الدولة عجزت عن تغطية الحاجيات والطلبات المجتمعية المتزايدة على الخدمات الصحية، مما ولد العديد من الاكراهات المادية والتدبيرية. الأمر الذي  جعل الأفراد يتجهون نحو القطاع الخاص وتأذيت مبالغ مالية كبيرة لتلقي العلاجات. 

[1] المساوي محمد، حقوق الإنسان: بين النظرية والحماية،  الطبعة الثالثة، مطبعة المعارف- الجديدة، سنة 2015،ص3.

[2]المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948.

[3]الفصل 31 منظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 ( 29 يوليو2011) بتنفيذ نص الدستور.

التعليقات مغلقة.