أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

ورالدين الزويتني يقارب موضوع “الشاعر والمترجم: النص والآخر” في “الدرس الافتتاحي” لدار الشعر بمراكش  

نظمت دار الشعر بمراكش، يوم الجمعة الماضية (11 أكتوبر)، درسا افتتاحيا جديدا في انطلاقة موسم ثامن لبرنامجها الثقافي والشعري الجديد، أشرف على تقديمه الناقد والمترجم الأكاديمي نورالدين الزويتني، فيما تكلف بالتعقيب الشاعرة والمترجمة ثريا إقبال والأكاديمي الدكتور سعيد العوادي. هذه المحطة والتظاهرة الشعرية والنقدية والمعرفية، حرصت الدار أن تستقصي من خلالها قضايا وأسئلة تتعلق براهن الخطاب الشعري. وفي انفتاح دائم، على استقصاءات ومقاربات لقضايا، تحتاج للمساءلة والتمحيص النقدي، خصوصا مع ما يفتحه النص الشعري من أفق إبداعي، سعيا للإنصات البليغ لنبض النصوص ولجغرافيات شعرنا المعاصر اليوم وللاقتراب أكثر من نبض أسئلة النقد الشعري وقضاياه المحورية.

جانب من حضور "الدرس الافتتاحي" لدار الشعر بمراكش

ويندرج الدرس الافتتاحي، الخاص بالموسم الثامن، ضمن استراتيجية دار الشعر بمراكش للانشغال العميق بقضايا الشعر، إبداعا ونقدا، ومواصلة لسلسلة البرامج والندوات والتي استقصت أسئلة وقضايا مركزية تهم الخطاب الشعري. وافتتح الشاعر والمترجم الأكاديمي نورالدين الزويتني، من جامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، درسا افتتاحيا جديدا لدار الشعر بمراكش، بصفته أحد أبرز الوجوه الفاعلة في المشهد الثقافي العربي والمنشغلة بقضايا وأسئلة الترجمة. وقد سهر طيلة مسار حياته العلمية، على تقديم المنجز الشعري المغربي والعربي الى لغة “شكسبير” في انتقال واعي بقيمة الترجمة في رحلة النصوص وسفرها.

وقدم الشاعر والمترجم الأكاديمي نورالدين الزويتني، مداخلة تستقصي سؤالا يتعلق بموضوع: “الشاعر والمترجم: النص والآخر”، فيما خصصت فقرة “تعقيبات” لمداخلات كل من: الشاعرة والمترجمة الباحثة ثريا إقبال والأكاديمي الدكتور سعيد العوادي، من خلال مداخلاتهم وأسئلتهم في محاولة لرصد سمات هذه العلاقة المركبة.

 

 

واعتبر الشاعر والمترجم نورالدين الزويتني أن الترجمة الأدبية، وخاصة ترجمة الشعر، “تواجه في عصرنا الحديث مجموعة من التحديات المعقدة والمتنوعة. وهي تحديات يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع: التحديات ذات الطبيعة اللغوية، التحديات ذات الطبيعة الثقافية، والتحديات المتعلقة بالمتغيرات الخارجية”. وتظل مسألة ترجمة الشعر واحدة من أكثر أنواع الترجمة تحديًا وإشكالا وتعقيدًا.. بما تفرضه من تحديات خاصة على المستويات الصوتية، والنحوية، والمعجمية، والدلالية، والأسلوبية، وغيرها.

لذلك حاول الكثير من المترجمين إيجاد سبل او استراتيجيات مثلى لترجمة الشعر، ليتوقف الباحث الزويتني عند اجتهادات البلجيكي أندريه لوفيفر، في كتابه “ترجمة الشعر: سبع استراتيجيات” وركز على سبع طرق استخدمها المترجمون في ترجمة إحدى القصائد الملحمية للشاعر الروماني كاتولوس إلى الإنجليزية، والباحثة في الترجمة سوزان باستنت، والتي ركزت على البعد الأسلوبي التاريخي.

كما تناول المترجم الزويتني رؤى يوجين نايدا، أحد أبرز المنظرين في مجال الترجمة، والذي أضاف رؤية جديدة في هذا السياق من خلال صياغته لمفهومي الترجمة “الديناميكية” مقابل الترجمة “الشكلية”، حيث تركز على المتلقي وتجربة القارئ الهدف، بينما تركز الترجمة الشكلية على النص الأصلي وصيغه. أما بيتر نيومارك ، وهو أيضًا أحد كبار منظري الترجمة فحاول التركيز من ثنائية الشكل والمضمون إلى ثنائية الجانب الدلالي semantic مقابل الجانب التواصلي communicative.

وانتهى الشاعر والأكاديمي نورالدين الزويتني الى نقطة أساسية في درسه الافتتاحي، تهم قضية “التحديات ذات الطبيعة الثقافية”، إذ أصبح على المترجم مواجهة مسألة القيم الثقافية والمعايير الأيديولوجية المرتبطة بالثقافة، بل أصبحت الترجمة فيما يسمى عصر ما بعد الحداثة مرتبطة بالعلاقات الثقافية والسياسية بين البلدان. الباحثون مثل جاك لاكان وميشال فوكو تحدثوا عن اختلال القوى بين الثقافات المختلفة، حيث تكون بعض الثقافات مهيمنة، بينما تُعتبر الأخرى مهمشة أو مختلفة، وفي هذا السياق، تصبح الترجمة الأدبية حقلا لصراع القوى بين هذه الثقافات.

وبعد نشر كتاب إدوارد سعيد “الاستشراق” عام 1978، هذه النظرة ساعدت في تغيير مفهوم الترجمة الأدبية عبر الثقافات، وقد أعطى سعيد مثالا عن تحيز الخطاب الاستشراقي تجاه الشرق، في كيفية تعامل الغربيين مع الترجمات الأدبية بما في ذلك الشعر. كما أشار لورانس فينوتي إلى أن الترجمة الغربية كانت تاريخيًا تعتمد على ما يُسمى بـ”أسلوب التدجين”، الذي يُقرب الثقافة الأجنبية من القارئ في الثقافة الهدف، بدلاً من تبني “أسلوب التغريب” الذي ينقل القارئ إلى الثقافة الأصلية ويجعله يشعر بالاختلاف الثقافي واللغوي.

في العالم العربي، يواجه المترجم الأدبي تحديات كبيرة، العديد من دور النشر غير متحمسة لنشر الترجمات الأدبية، كما أن معظم الحكومات العربية لا تمتلك خططًا واضحة لدعم ترجمة الأدب المحلي أو الأدب العربي إلى لغات أخرى. وقد سبق لبيتر ريبكن أشار في مقال له إلى ندرة الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى اللغات الأوروبية. وقال: “في عالم تتزايد فيه أهمية الترجمات الأدبية لفهم الثقافات الأخرى، تظل هناك فجوات واضحة في معظم الأسواق الأوروبية عندما يتعلق الأمر بالأدب العربي”. فعلى الرغم من غنى الأدب العربي وتاريخه العريق، إلا أن الترجمات إلى اللغات الأخرى، وخاصة الإنجليزية، محدودة للغاية.

وتناولت الباحثة ثريا إقبال، ومن خلال تجربتها الرائدة في الترجمة، هذه العلاقة الملتبسة بين الشاعر والمترجم وبين النص والنص المسافر الى لغات أخرى. تحدي مزدوج يجعل من فعل الترجمة، لحظة إبداعية ومعرفية مزدوجة قادرة على استكناه عمق النص وخباياه الدلالية. وفي التماعاتها التي تراوحت، بين النص والنص المترجم والمنحى الصوفي، تؤشر الباحث ثريا إقبال على البعد الإبداعي الملازم للعملتين، خلق النص وترجمته. فيما تضيف اللغة، بما هي حامل للنص لحظة الكتابة، معطى إضافيا، يجعل من هذه “الضيافة” التي تسمها الباحثة، من خلال الترجمة، خلال هذا السفر بين اللغات معطى معرفيا أساسيا في فهم العلاقة الملتبسة والمركبة بين الحقلين.

تركز نقاش الحضور على علاقة الشاعر والمترجم، وعلى قضايا الإبداع النصي والتفكير باللغة، خصوصا عند الشعراء الذين يبدعون بلغات مختلفة، كما نوه البعض الى ضرورة مراجعة مفهومنا للترجمة الأدبية. ويندرج الدرس الافتتاحي ضمن سلسلة من اللقاءات والندوات المبرمجة الموسم الحالي لدار الشعر بمراكش، في سعي حثيث للإنصات للأسئلة والقضايا المركزية، التي تهم المشهد الشعري المغربي، في تقاطعه وحواريته مع جغرافيات شعرية عربية وكونية، ومع العديد من الفنون التعبيرية الحية والفنون الأدائية.

التعليقات مغلقة.