أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تنشر خطب الجمعة ليوم غد

أصوات

نشرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نصين حول موضوع خطبة يوم غد الجمعة:

النص المتعلق بالخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أخرج الإنسان من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة والإيمان، وزَيَّن جوارحه ومظاهره بجمال الإسلام، وحلَّى معاملته وجميع تصرفاته بخلق الإحسان، نحمده سبحانه وتعالى حمد العارفين به، المقرين له بالعبودية اختياراً واضطراراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته وأفعاله، ونشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، الدالُّ عليه بقوله وفعله وجميل خصاله، صلى الله وسلَّم عليه صلاةً وسلاماً دائمين ما دامت السَّموات والأرض، وعلى آله الأتقياء الأطهار، وصحابته النُّقباء الأخيار، وعلى التَّابعين لهم في الإيمان الصَّادق والعمل الصَّالح في كل وقت وحين.

أما بعد؛ فيا أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، لقد نهج العلماء في «خطة تسديد التبليغ» منهج القرآن الكريم والسنة النبوية في الأخذ بالتَّدرج في التَّركيز على الإيمان أوَّلا، ثم على العمل الصَّالح الذي هو ثمرة الإيمان الخالص في النُّفوس ثانياً.

فمن منهج القرآن الكريم: أنَّ الفترة المكية ركَّزت على الإيمان ووسائل ترسيخه، حيثُ دعا النَّاسَ جميعاً إلى معرفة ربهم الذي خلقهم، ونصَب على وجوده تعالى أدلة كثيرة في الإنسان نفسه والكون الذي من حوله، كما قال جل شأنه:

﴿سَنُرِيهِمُۥٓ ءَايَٰتِنَا فِے اِ۬لَافَاقِ وَفِےٓ أَنفُسِهِمْ حَتَّيٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمُۥٓ أَنَّهُ اُ۬لْحَقُّۖ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَيٰ كُلِّ شَےْءٖ شَهِيدٌۖ﴾[1].

ونبَّه سبحانه إلى تسخيره للكائنات كلها لفائدة الإنسان، في آيات كثيرة من السُّور المكية، نذكر منها قوله تعالى:

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اُ۬للَّهُ اُ۬لذِے خَلَقَ اَ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضَ فِے سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ اَ۪سْتَو۪يٰ عَلَي اَ۬لْعَرْشِۖ يُغْشِے اِ۬ليْلَ اَ۬لنَّهَارَ يَطْلُبُهُۥ حَثِيثاٗ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۢ بِأَمْرِهِۦٓۖ أَلَا لَهُ اُ۬لْخَلْقُ وَالَامْرُۖ تَبَٰرَكَ اَ۬للَّهُ رَبُّ اُ۬لْعَٰلَمِينَۖ اَ۟دْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاٗ وَخُفْيَةًۖ اِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ اُ۬لْمُعْتَدِينَۖ وَلَا تُفْسِدُواْ فِے اِ۬لَارْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاٗ وَطَمَعاًۖ اِنَّ رَحْمَتَ اَ۬للَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ اَ۬لْمُحْسِنِينَۖ﴾[2].

وهذا قبل أن تُفرَض الصَّلاة وغيرها من الأركان، لمدَّة تزيدُ عن عشر سنوات من ترسيخ الإيمان وبيان حقائقه ومعانيه.

ومن السُّنة نجد قول النَّبي ﷺ لمعاذ بن جبل، رضي الله عنه، لما بعثه إلى اليمن:

«إنَّك ستأتي قوما أهلَ كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإيَّاك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنَّه ليس بينه وبين الله حجاب»[3].

 

عباد الله، يستفاد من هذا الحديث أنَّ النبي ﷺ أوصى معاذاً بالتَّدرج شيئاً فشيئاً؛ ولذلك دعاه أن يبدأ دعوته بالشَّهادتين، ثم قال له:

«فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات …»، الحديث.

والعلماء إذ نهجوا المنهج القرآني والنَّبوي يقصدون بذلك تقرير معاني الإيمان في النُّفوس، وتحرير الإنسان من غوائل النَّفس والهوى والشَّيطان، وتحقيق معنى العبادة التي يقر بها العبد في كلِّ صلاة:

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[4]،

متبرئاً من الكبرياء، وهو يكبِّر الله تعالى في كلِّ خفضٍ ورفعٍ من صلاته، متلمساً آثار ذلك في حياته اليومية، متحلياً بمعاني الإخلاص والرِّضى والتَّسليم والتَّفويض لله تعالى في السِّر والعلانية.

فإن وصلنا جميعاً إلى هذه المرحلة، فسنكون قادرين على فهم مراد الشَّرع منَّا من خلال شرائعه، وستكون جوارحنا سهلة الانقياد لأمر الله ونهيه.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والبيِّنات والذِّكر الحكيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

الخطبة الثانية وهذا نصها:

الحمد لله الكبير المتعال، الفعَّال لما يريد من غير اضطرار أو اعتلال، والصَّلاة والسَّلام على رسول الهدى والنُّور المتَّصف بجميل الخلال، سيِّدنا محمد وعلى ما له من الأزواج والذرية والآل، وعلى صحابته الكرام والتَّابعين لهم في كل آن وحال.

أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ مما ينبغي التَّذكير به، قبل أن تنتقل بنا «خطة تسديد التبليغ» من الخطب الإيمانية إلى الخطب في مجالات العمل الصَّالح المختلفة، محاسبةَ النفس على ما مضى من البيان، هل استفدنا من كل ما سبق التَّركيز عليه من الإخلاص في الإيمان، والتحلي بمقتضياته من معرفة النَّفس ما لها وما عليها، وهل استجبنا لله وللرَّسول عندما يدعونا لما يحيينا حياة طيبة؟ وهل تحررنا من الأغيار التي تحول دون تزكية النُّفوس وتطهيرها، من الأنانية والكبر والعجب والهوى ونزغات الشَّيطان؟

وهل أَسْلَمْنا أنفسنا لله كما يقتضي معنى الإسلام؟ وهل أمَّنَّا أنفسنا وغيرنا من شرور أنفسنا كما يقتضي معنى الإيمان؟ وهل مُمارساتنا في العبادات والمعاملات تكون في مستوى أن تعبد الله كأنَّك تراه، كما يقتضي معنى الإحسان؟

فهذه، إخوة الإيمان، مجموعة من الأسئلة مأخوذة من قوله تعالى:

 

﴿مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاٗ مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪يٰ وَهُوَ مُومِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ﴾[5].

حيث اشترط الحق، سبحانه، للعمل الصَّالح أن يكون في حالة وجود الإيمان الصَّادق المفهوم من الجملة الحالية اللازمة لكل عمل صالح؛ وهي قوله تعالى:

﴿وَهُوَ مُومِنٞ﴾.

فإن تحقق هذا الشَّرط يكون العمل الصَّالح سهل المراس، كما وقع للصَّحابة الكرام لما نزلوا بالمدينة، وقد اطمأنت قلوبهم بالإيمان، فتوالت عليهم الشَّرائع المختلفة من العبادات والمعاملات والسِّياسة والتَّدبير للشَّأن العام، وغيرها من مقتضيات الحياة.

وليس ببعيد أن يكون مثلَهم أو قريباً منهم مَن أخذ بما أخذوا به من الإيمان الصَّادق الخالص لله، والعمل الصَّالح الصَّادر عن العبد طاعة لله.

هذا، وخير ما نختم به الكلام، ونجعله مسك الختام، أفضل الصَّلاة وأزكى السَّلام، على سيدنا محمد أفضلِ من آمن وصدَّق وصلَّى وصام، فاللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في الأولين، وصلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد في الآخرين، وصلِّ وسلِّم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدِّين.

وارض اللهم عن ساداتنا الحنفاء الأربعة الخلفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن العشرة المبشرين بالجنَّة، وعن الأنصار والمهاجرين، وعن باقي الصَّحب أجمعين، وعن التَّابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمداً السادس نصراً عزيزاً تعز به دينك، وترفع به راية أوليائك، وأحفظه اللهم في صحته وعافيته، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بصنوه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنَّك سميع مجيب.

وارحم اللهم بواسع رحمتك الملكين الجليلين مولانا محمداً الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك.

وارحم اللهم آباءنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين، اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا بمحض فضلك من الرَّاشدين.

ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا. ربَّنا إنَّك رءوف رحيم.

سبحان ربِّك ربِّ العزة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

التعليقات مغلقة.