بقلم : محمد حميمداني
حينما قامت مديرة وكالة بنكية بمنطقة “سيدي يحيى زعير” ، التابعة لنفوذ عمالة الصخيرات – تمارة، بفعل تحويلات مالية لفائدة الحساب الشخصي لزوجها، و حسابه الثاني، المفتوح باسم جمعية للأبطال الرياضيين ب”تامسنا”، لم يكن الفعل ليتم لولا وقوع الضحية البريئة عمقا في قبضة سطوة المجتمع الذكوري الفارض لكل شيء.
أن تمثل تلك السيدة أمام قضاة غرفة الجرائم المالية الإبتدائية بمحكمة الإستئناف بالرباط، الإثنين، في أول جلسة للمحاكمة، بعدما سقطت في قبضة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، فذاك خبر عاد، رغم إثارته.
وأن تواجه المسؤولة البنكية جرائم إختلاس أموال عامة و خاصة، و التزوير في محررات بنكية و إستعمالها، و تغيير المعطيات المدرجة في نظام المعالجة الآلية للمعطيات، و تزوير وثائق معلوماتية و إستعمالها، و الإستدلال باعترافاتها، فذاك أمر طبيعي وعادي، لأن الجرم مشهود و القرائن ثابتة بقوة الأمر الواقع أو المفروض قسرا.
وأن يتم الإحتفاظ بالموقوفة إحتياطيا بالمركب السجني “العرجات” بسلا، فذاك هو الآخر أمر غير مروع، لأن السجون مليئة بالمعتقلين من كل الأصناف، وبتهم مختلفة، قد يكونون مسؤولين عنها، أو أن المجتمع، ونظام الحكم القائم هو المسؤول الأول عن كل تلك الجرائم .
الأكيد أن المعيار المهني يقتضي الأمانة في التدبير بعيدا عن كل المؤثرات والضغوط كيفما كان نوعها ولونها، ومعالجة كل الأزمات الشخصية في إطار منظومة الصراع والنضال من أجل تغيير واقع الحال.
لكن الأكبر في القضية هو جعل النضال من أجل حرية المرأة في الحقوق والواجبات مطلبا أساسيا، لأننا ممكن أن نوصف الوقائع بناء على العناصر الخمسة لبناء الخبر الصحافي، لكن الإجابة على السؤال السادس هو الأصعب والأشق في مضمار بناء عناصر الأخبار، فهيمنة المنطق الذكوري على واقعنا المغربي، يجعل المرأة في كل الحالات ضحية قهرين جنسي وإقتصادي، مما يجعلها رهينة المحبسين، على حد قول الشاعر “أبو العتاهية”، يفرض عليها توفير مستلزمات الذكر الزوج، وتلبية رغباته المادية والجنسية بإرادتها أو لا رغبتها، لأن قانون السوق يفرض الطاعة على الزوج ، كما على أولي الأمر، وأن معصية الزوج من معصية الله و هلم جرا من القراءات المروجة للخدمة كعبدة لإنتاج السلع كما الأطفال.
فمن يحاكم من؟ ومن المسؤول الأول عن كل الجرائم التي تمارس على الزوجة أو المرأة باسم اللسلطة، سلطة الأمر الواقع المفروض قسرا بقوة الأخلاق و الطابوهات المقدسة، والمقدسة لقيم المجتمع الذكوري الذي بنا سعادته بعد انهيار المجتمعات “الاموسية” وقيام المجتمعات “الابوسية” مند اكتشاف الزراعة والاستقرار، وتوول المجتمعات المستقرة و العادلة التي كانت تميز المرحلة المشاعية البدائية، على عبودية ساكني الأرض ومن ضمنهم المرأة والأطفال، عبودية فرضت بمنطق القوة، وألزم الضعيف بناء على قانونها غابويتها الجائر الخضوع التام لسطوة القوي عضليا قبل الفكري.
إن الطبيعي في الحالة هو التعاطي من قبل الإعلام مع الواقعة من المنظور الاجتماعي والسياسي قبل القانوني، وأن تتبنى المنظمات النسائية، كما أحرار الوطن والعالم، قضية أكبر من أن توصف في “اختلاس”، بل في مجتمع اختلس كل شيء في المرأة، وأحالها إلى مادة، تنتهي مدة صلاحيتها مع انتهاء مدة صلاحية الجسد و الحسابات البنكية للعبدة المسجونة بقوة الكل والظلم، والموضوعة بين سجن أقوى من سجن “العرجات”.
وهذا مجرد تنبيه للذكرى وليس للتأثير على مجريات أحداث، بل دعوة لجعل الحصان قبل العربة، لا أن نقلب المعادلة، فنحاكم الضحية قبل الجلاد، و يبقى المجرمون الحقيقيون أحرارا رغم وضوح الجرم و بشهادة الشاهدين.
التعليقات مغلقة.