يوميات الحرب على غزة: أرض الزيتون
أم أيمن الصوص
تأخرنا كثيراً عن القطاف ، يجب أن ننجز المهمة على عجل ..
بضع شجرات مباركات في أرضنا، قلبي معلّق بها، إنها الخير الذي سيغطي الخواء في هذا العام الأعجف، عام الدمار والفقر وقلة الحيلة !!
قصدت أرض الزيتون مع بعض أبنائي، كلما تقدمت بخطوات نحو الأرض ازدادت ضربات قلبي ارتفاعاً، أحاول جاهدة ان أخفي خوفي وقلقي عن أولادي وعن كل من يصادفني في الطريق ، فالقصف كثيراً ما يداهم الاراضي الزراعية شبه الخالية من السكان ..
قام أبنائي وأصدقائهم بالمهمة ، فكانت العجلة في كل تحركاتهم لإنهاء المهمة والعودة إلى البيت بسلام ..
لم ألاحظ تندرهم، ولم أسمع ضحكاتهم ، ولم أر الفرح على وجوههم، كعادة من يجمع خيرات الموسم في أيامه الجميلة ..
جلست على حجر . سرحتُ فيما كان، واستعدتُ الموسم السابق قبل أن تباغتنا الحرب بأيام قليلة ، كنا في قمة السعادة ونحن منتشرون على مساحة الدُّونوم؛ الأبناء والاحفاد ، نتفيَّأ في عزّ الظهر ظلال الزيتون ، يجمع بعضنا الحطب الناشف من جنبات الأرض، يشعل آخر النار ، يُنجز قلاية البندورة الحارة الشهية ، يتبعها بغلاية القهوة والشاي ..تُشاركنا زقزقات العصافير، وكركرات الاطفال ، وتندر الكبار ، فنعود وروائح الأرض والدخان عالقة في ثيابنا ، وحكايات الزيتون الجميلة خالدة في وجداننا ..
عدتُ من شرودي ، تمشَّيتُ خطوات بين الشجر، أدعو الله أن ينتهي اليوم على خير ..
استراح الشباب قليلاً مع كؤوس الشاي وساندويتشات الزعتر ..
أصرَّ أبنائي عليَّ بتركهم والعودة إلى البيت فقد أرادوا لي أن أبتعد لأرتاح من قلقي ، ففعلت نزولاً عند رغبتهم ..
استودعتهم الله وتركت قلبي معهم ومشيت ..
قطعتُ مسافة مئتي متر ، وإذ بصاروخ يدوي من فوق رأسي، ويهوي على بعد عشرات الأمتار من أرض الزيتون وأبنائي !!
ارتجَّت الأرض من تحت قدماي، انخلع قلبي و خارت قواي و لم تَعُد ساقاي قادرتان على حملي .. استدرت بوجهي، وأخذت أسرع الخطى باتجاه عمود الدخان الذي تصاعد أمامي على ارتفاع شاهق قُرب الأرض !
قدَّرت المسافة، واطمأنيتُ بأن الجميع بخير ..
هكذا هي أيامنا في غزة بلا طعم، ومواسمنا بلا نكهة، وأعيادنا بلا فرح منذ ما يزيد على العام ، فهل لنا من مخلِّص ؟؟؟!!!
التعليقات مغلقة.