العدالة والتنمية يكشف طلبه تدخل القصر في مسألة التسقيف، والمنافسة تكشف وجود معاملات لامشروعة من قبل شركات المحروقات ضمنها “شركة أخنوش”
ارتفعت أسعار المحروقات في المغرب بشكل غير مسبوق ونتج عن ذلك ارتفاع في أسعار جميع المواد الاستهلاكية، وهو ما أهلك ميزانية المواطنين.
الحكومة تعلق الأزمة على السوق الدولية، والرأي العام المكتوي بنار الأزمة يرفض تدويل الأزمة ويعتبرها مرتبطة بشجع شركات المحروقات، وتقارير رسمية تقول إن هاته الشركات راكمت خلال سنتين فقط (من 2015 ـ إلى 2017) ثروات كبيرة تجاوزت 17 ملياراً ، مباشرة بعد تحرير أسعار المحروقات في المغرب سنة 2015، حينما قررت حكومة “بنكيران” رفع دعم الدولة على كل المحروقات باستثناء غاز البوتان.
أضف إلى ذلك أن المغرب يكرر البترول المستورد لإنتاج مشتقات المحروقات، أما الآن فعملية التكرير أصبحت تتم خارج البلاد بسبب توقف مصفاة التكرير الوحيدة.
تسقيف أسعار المحروقات في المغرب.. لماذا توقف المشروع؟
بعد تحرير أسعار المحروقات في المغرب، رفع رئيس الحكومة السابق “سعد الدين العثماني” سنة 2018 رسالة إلى الديوان الملكي، يخبره فيها نية حكومته الشروع في تنفيذ مشروع تسقيف أسعار المحروقات، الذي يعني تحديد أسعار المحروقات وتحديد هوامش ربح شركات توزيع الوقود، للتحكم في السعر ويقطع ذبر المضاربات والاحتكار، بمعنى آخر تدخل الحكومة لتحديد هامش ربح الشركات الفاحش الذي تجاوز درهمين في اللتر الواحد في ذلك الوقت.
وتحت ضغط المقاطعة التي استهدفت ثلاث شركات ضمنها قطاع المحروقات، وبالضبط شركة المحروقات “إفريقيا” لمالكها “عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية الحالي، وجد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، نفسه مدفوعا بهاته المقاطعة.
المقاطعة أثرت على مجموع الشركات المستهدفة فسجل سعر أسهم “إفريقيا” لمالكها عزيز أخنوش انخفاضاً بنسبة %5.97 في أسبوع واحد من المقاطعة، داخل بورصة الدار البيضاء.
ولخوف العثماني من تحول هاته الحركة الاحتجاجية إلى أزمة شاملة ومفتوحة، بين شارع يرفض دعوات التهدئة والتسامح مع الشركات، وشركات تهدد الحكومة بإغلاق وحداتها الإنتاجية في المغرب.
ووفق ما أورده موع عربي بوست، فإن الجواب على طلب العثماني بخصوص تسقيف الأسعار الذي تقدم به للقصر الملكي لم يتأخر؛ حيث حددت جلسة عمل مع أحد المكلفين بالجوانب الاقتصادية في الديوان الملكي.
وقد تلقى رئيس الحكومة في ذلك اللقاء جواباً من شقين: الأول يقول بوجود اعتراض من طرف وزارة الاقتصاد والمالية، التي يتحكم فيها حزب التجمع الوطني للأحرار حينها “أي حزب أخنوش مالك شركة “إفريقيا””، ومبرر وزارة الاقتصاد والمالية المقدم هو وجود صعوبات تقنية، والثاني مفاده أن أطرافاً أخرى في الحكومة ترفض فكرة التسقيف.
فهم العثماني أن عليه العودة لحلفائه داخل الحكومة لإقناعهم بمشروعه أولاً، وهو ما انتهى به إلى الفشل، ليتم وقف مشروع “تسقيف” أرباح شركات المحروقات إلى اليوم.
لماذا مشروع تسقيف الأسعار؟
سنة 2018 تجاوزت أسعار المحروقات سقف 10 دراهم للتر الواحد لأول مرة في تاريخ المغرب، هذا الارتفاع التاريخي سيدفع عدداً من المجموعات المهنية (النقل) للضغط على الحكومة من أجل التدخل.
العثماني ومن خلفه وزير الحكامة حينها لحسن الداودي، بعد انسداد الأفق ورفض حلفاء الحزب لفكرة تسقيف الأرباح، لجآ إلى مجلس المنافسة الذي يهتم بدراسة أداء الأسواق ومحاربة الممارسات غير الأخلاقية والمنافية للمنافسة، أي محاربة المضاربة والاحتكار.
والحال أن حزب التجمع للأحرار الذي يقوده عزيز أخنوش هو مالك أكبر شركة للمحروقات في المغرب، وهو جزء من التحالف الحكومي، ويسيطر على وزارة الاقتصاد والمالية.
المذكرة التي رفعها الداودي إلى مجلس المنافسة، تقول أن الأرباح التي أصبحت تحققها الشركات تجاوزت درهمين (2) في اللتر الواحد سواء تعلق الأمر بالبنزين أو الغازوال.
وقالت الوزارة في مذكرتها إن البحث الذي أجرته أكد أن شركات المحروقات سنة 2018 قد حققت أرباحاً تراوحت بين 80 و140% مقارنة مع ما كانت تربحه قبل رفع الدولة دعمها عن الأسعار سنة 2015.
وكشف مصدر “عربي بوست” أن مشروع التسقيف الذي قدمه الداودي ورفعه العثماني إلى الديوان الملكي كان يقترح تحديد أرباح الشركات بين 45 و75 سنتيما فقط (أي أقل من درهم)، وهو ما يعني تخفيض أكثر من درهمين في اللتر مقارنة مع الأسعار متداولة.
مجلس المنافسة كجهاز رسمي في رده على الحكومة، اعترف بوجود ما أسماه عوائق أمام المنافسة الحرة، وأقر بوجود شبهة التواطؤ بين الشركات من أجل تحديد الأسعار ونتيجتها زيادة هامش الأرباح.
المحروقات والسياسة
لم تقف أسعار المحروقات عند حدود البعد الاقتصادي وآثاره الاجتماعية بل تحولت في المغرب إلى مادة للتراشق السياسي بين الأحزاب، خاصة بين حزب العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومة منذ 2012 إلى 2021، وحزب التجمع الوطني للأحرار، لرئيسه عزيز أخنوش مالك شركة إفريقيا للمحروقات، الذي يقود الحكومة الحالية.
في شهر أبريل من سنة 2022، وفي وقت تجاوزت فيه أسعار المحروقات سقف 15 درهماً، وخلال جلسة لمناقشة السياسة العامة للحكومة في مجلس النواب، وجه “عبد الله بوانو”، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية اتهامات لرئيس الحكومة عزيز أخنوش برفض التدخل لخفض أسعار المحروقات، واستغلال السلطة لزيادة الثروة.
رد رئيس الحكومة جاء عنيفاً؛ إذ اتهم حزب العدالة والتنمية بالكذب على المغاربة، وبأنه هو المسؤول عن رفع الدعم عن أسعار المحروقات، وزيادة أسعار جميع المواد الاستهلاكية وتهديد الأمن الطاقي للمغرب.
هذه التهم الكبيرة والخطيرة، دفعت عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة الأسبق، إلى قطع عطلته السياسية في رمضان، ونشر كلمة على صفحته الرسمية في فيسبوك، عبر فيها عن أسفه لأنه وثق بأن المنافسة ستضبط أسعار السوق، لكن الذي وقع أن أخنوش اتفق رفقة الشركات على منافسة غير شريفة من خلال اتفاق مسبق برفع الأسعار وعدم تخفيضها، كما طالب أخنوش بنهج تدابير استعجالية وحقيقية لمواجهة الغلاء.
جدل المحروقات سيستمر بعد ذلك، خاصة بعد تبرير وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي، أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب يوم 13 أبريل 2022، بأن سعر بيع المحروقات بالمغرب يصل الى 13.31 درهم بالنسبة للبنزين، و11.92 درهم بالنسبة للغازوال، إذا بلغ سعر خام برنت 100 دولار في السوق الدولية.
ما قالته الوزيرة استغله “عبد الله بوانو”، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، قائلاً في تدوينة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ليرد على الوزيرة، إن أسعار البنزين والغازوال/مازوت 15 درهماً في المغرب، في وقت لم يتجاوز فيه خام برنت 100 دولار في السوق الدولية.
التعليقات مغلقة.