أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الدعارة في المغرب: بين الواقع والقانون

صقلي حسيني زهراء

 

كثيرا ما كنت أتساءل عن ماذا يوجد لدى الباغية،العاهرة، بائعة الهوى، ممتهنة الجنس …، أسماء عديدة ومتنوعة حتى تصبح شخصية مهمة في مجتمعنا، وقد تكون ضرورية؟ فما هي الدعارة وما أسبابها؟ وهل من الممكن الحد منها؟ وما حكم القانون؟.

 

الدعارة هي تقديم خدمات لإشباع الغريزة الجنسية بمقابل غالبا ما يكون ماديا، عرفتها الشعوب منذ زمن بعيد، وتوجد في مختلف بلدان العالم مع اختلاف الأسباب والظروف، وكذلك الأنظمة التي تحكم ممارستها.

تكون أمرا علنيا في دول معينة، وتمارس سرا في بلدان أخرى، وهي ظاهرة ليست حكرا على النساء فقط، فنوع آخر منها يمتهنه الرجال حيث يقدمون المتعة لزبونات هم وزبناءهم مقابل مبلغ من المال أو هدايا باهظة الثمن، وقد شاعت ظاهرة الدعارة في المغرب في عهد الحماية بشكل كبير، وبأشكال دخيلة عليه، كما يعود تاريخ تنظيمها الى هذه المرحلة، حيث أقدمت السلطات الاستعمارية على هيكلة هذه “المهنة”، وذلك عبر إحصاء جميع العاهرات وتخصيص سجل معلومات خاص بكل واحدة منهن، وتجميعهن في مخورات (بورديلات)، تحت مراقبة السلطة والمصالح الصحية.

 

هكذا شجع الاستعمار الفرنسي الدعارة وجعل منها أداة للتجسس، وبعد الاستقلال ارتفعت نسبتها مع الانفتاح الذي عرفه المغرب بسبب تأثير الاستعمار الفرنسي، ومع تزايد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لم يعد للمرأة أي بديل قادرة من خلاله على توفير لقمة العيش باستثناء التوجه للدعارة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمرأة المطلقة أو الأرملة، فباتت مهنة سهل الحصول عليها والاستحصال على خدماتها،  كما تم غض الطرف على هذه الآفة، لأن القضاء عليها كان وما زال يستوجب العمل على تغيير المنظومة الاقتصادية والاجتماعية القائمة ببلادنا، ولا يمكن إلصاق جميع النقائص والنكبات والمساوئ بالأجنبي، ذلك أن تحويل الجسد إلى بضاعة جنسية وانتشار المخدرات وشرب الخمور وتفاقم الانحطاط الأخلاقي، كل ذلك ناتج عن الاستغلال والظلم الاجتماعي وانقسام المجتمع إلى قلة ثرية وأغلبية فقيرة مما يجعل المُستغَلِين يفقدون كل حس بالعفة وبالشرف والكرامة الإنسانية.

فمن بين الأسباب الرئيسية لولوج عالم الدعارة نجد الفقر والحاجة، حيث يلجأ في أحيان كثيرة النساء والرجال إلى ممارسة هذا العمل لإعالة عائلاتهم وأطفالهم، كذلك الوضع الاجتماعي للأسرالهشة من تفكك أسري وضعف الرقابة على الصغار، والزيجات الفاشلة للقاصرات، بالإضافة لعوامل نفسية متنوعة لا مجال للحديث عنها هنا.

كما نجد هناك أن هناك ارتباطا وثيقا بين انتشار الدعارة في دولة ما وبين فشلها، فمع غياب الطموح والأمل، وانتشار البطالة وإقفال المؤسسات التعليمية والتثقيفية التي تنمي المواطن وتؤهله ليكون مواطنا صالحا منتجا، تنتشر المؤسسات المحطمة للدولة من حانات ودور الدعارة، وإلى جانب بائعة الهوى هناك الزبون الذي يشتري المتعة، وهناك أيضا الوسيط، الذي يتوسط بين البائعة والباحث عن لقاء جنسي عابر، وهذا المثلث هو الذي يسيطر على سوق الدعارة في المغرب، بينما ينحصر دور الدولة -بتعبير أحد الوسطاء- في رجل الشرطة الذي يطارد هؤلاء الثلاثة دون جدوى لأنه مبكل، بقوانين من هم أقوى منه.

 

وقدفرض المشرع المغربي عقوبات صارمة تصل إلى حد السجن المؤبد في حق كل من يساهم في إفساد الشباب والبغاء وأقر عقوبات تختلف باختلاف مرتكبيها، ولم يستثن المشرع المغربي أيا كان سواء الوسطاء، أو غيرهم، ممن يعملون على نشر الفساد والرذيلة.

وعلى الرغم من أن الدعارة غير قانونية في المغرب منذ عام 1970 إلا أنها تعرف انتشارا كبيرا في مختلف المدن المغربية، وعادة ما يوصف القانون الجنائي بأنه قانون المجرمين لكونه يستهدف تجريم مجموعة من الأفعال ووضع عقوبات لها، لكن قانون 27.14 تبنّى فلسفة تشريعية مغايرة حيث أولى أهمية كبيرة للضحايا، وتبرز أهميته في أنه أدخل مفهوم الاستغلال للمرة الأولى في القانون الجنائي، ليشمل جميع أشكال الاستغلال الجنسي، لا سيما استغلال دعارة الغير، والاستغلال عن طريق المواد الإباحية، بما في ذلك وسائل الاتصال، والتواصل المعلوماتي.

 

ومع ذلك بقيت تعتري مهنة عاملات الجنس بالمغرب فوضى عارمة بسبب عدم تنظيم الدولة لهذه المهنة وتأطيرها بقانون يحمي حقوق العاملات بها ويصون المجتمع من خطر الحمل خارج إطار الزواج، ونشر الأمراض الخطيرة المتنقلة جنسيا، والسماح لهن بتأسيس منظمات حقوقية ونقابية للدفاع عن حقوقهن وصيانة كرامتهن، وحل المشاكل التي تواجهها هذه المهنة التي تقر بوجودها وتستفيد من مداخلها، لأنها ستبقى موجودة في كل الأحوال، ولن تتوقف سواء نظمتها الدولة او تجاهلتها، فما من شيء يمكنه الحد من تعاظم وانتشار الظاهرة الا رفع مستوى المرأة فكريا وثقافيا واقتصاديا، وترسيخ الشعور بأهميتها وجدارتها، وبأنها قيمة انسانية عليا لا ينبغي لها أن تهان أو يستهان بها، ولا بد من إحلال العلاقات الانسانية الرفيعة محل التهتك والابتذال.

التعليقات مغلقة.