مجموعة “أولاد سوسدي المشاهب” امتداد للأغنية “المشاهبية” وقوة المكان “الحي المحمدي” وإبداع عال لمجموعة قررت فوفت ونجحت
الدار البيضاء: حسنية
يقال إن قوة الحضور من قوة المعنى، الذي يحمله ذلك الحضور في تجدره المعرفي، وكما يقول “ميشيل فوكو”، لا يمكن دراسة العلوم إلا من خلال التموضع داخل العلوم نفسها، وهنا تأتي صعوبة أن تتطرق لهامة فردية، فما بالك إن تعلق الأمر بهامات جماعية تعزف لحن الحياة، وتوقع على سمفونية الولادة المتجددة لمسار نسج عائليا لكي لا ينتهي، وحط على ضفاف الإبداع عشقا عبقا فأزهى بأريجه فيحاء الأغنية الشاعرية الواقعية المنبعة من صميم المجتمع مع قوة الأداء الصوتي، وسمو الأداء المصاحب لحنا شجيا يعكس تجدر الذات في الموضوع، وينسج عبر هذا التلاقي جدولا اسمه “المشاهب” كتجربة متفردة، تعكس علو هامة ممتدة من الماضي عبر الحاضر مطلة على المستقبل بقوة الخلف العاكس لقوة ترسم الامتداد في الإبداع وقوة المعنى واللحن السامي.
هكذا توسمت الحياة في فضاء شباب يانع متقد بقوة العطاء وعشق الفن الذي ورثوه من قوة الآباء والأجداد، فليس بغريب على مجموعة “ولاد سوسدي المشاهب” أن تكون خير حامل لمشعل الرواد من حلمة الأغنية المجموعاتية والغوص في تفاصيله هاته التجارب، خاصة تجربة “المشاهب” الغنية الوارفة النبض والظلال، الفيحاءة العطاء، ليتغدى الخلف من تجربة الماضي وقوته عبر البحث في هذا النمط من الفن المجموعاتي الذي أسسته مجموعات بقوة البحر من قبيل “المشاهب”، “ناس الغيوان”، “جيل جيلالة” ….، بل أن “اولاد سوسدي لمشاهب” وقعوا ليس على وثيقة الاستمرارية في العطاء الفني رغم كل العراقيل، ولكن تجديدا وتطويرا للراكد في المسار الفني المجموعاتي، عبر تطويره بتميز وقوة وتألق.
يحمل المعتقد الصيني “التنين” كقيمة للخير وللشر معا، وتاه متعقبوها في أماكن عيشها بين أعماق البحار، أو أعالي الجبال، وقدرتها على نفث النيران من جوفها، لكن الاختلاف في التوصيف لا يعكس إلا صورة الأفعى العظيمة، وهي الصورة التي يمكن استيقاؤها من هاته الأسطورة وعكسها على تجربة أفراد مجموعة عانقوا كل الصفات، واستخلصوا كل الآلام لبناء النبض والحياة عبر تمازج روحي بقوة عمق صادق يخرج من ثنايا الوثر والأنغام ليمتزج مع الكلمات وليخط رسم الحياة والتجدد وقوة المعنى من المبنى.
لا مجال للغرابة أو التيهان، وكما يقول المثل “من أين ذاك الشبل، قلنا من ذاك الأسد”، فمجموعة “اولاد سوسدي المشاهب” تحمل جينات أسرة فنية، بدءا من الفنان المرحوم “محمد سوسدي”، أحد رواد ومؤسسي وأعمدة هذا النمط الإبداعي المتفرد، وأحد المبدعين الكبار صوتا وكلمة ولحنا وخفقان قلب نابض بالحياة في توحد مجموعاتي أعطى قوة حضور في المعنى كما المبنى اسمه مجموعة “المشاهب”.
ما يزيد من قوة المعنى حضور المكان كتاريخ واستمرار لعطاء احتضنه هذا التلاقي، لتكون الولادة عبر بواباة “الحي المحمدي” بما تعنيه هاته البوابات من قوة حضور تغذت من تاريخه المجموعة لتتبوأ منزلة مهمة في التاريخ الفني المغربي ضمن دلالات تكشف عن القيمة الجمالية لهذا التوحد وأثره في صناعة وتطور المجموعة، كيف لا والحي احتضن عمالقة في كل المجالات وكان لوحده تاريخا متصلا منفتحا على امتداد لا متناهي، بل أنه كان مهد ومنبع تأسيس الظاهرة الغيوانية المجموعاتية.
طموح أفراد مجموعة “اولاد سوسدي المشاهب” لم تقف عند هذا التوهج المكاني التاريخي بل واكبه بحث ودراسة عليا وجامعية ساهمت في بلورة الجمال والقوة والعمق في مسار المجموعة، غذت قوتها الشواهد العليا في مجال الإبداع الموسيقي في شعب فنية متنوعة، تتوزع ما بين المسرح والعلوم الإنسانية، فالتواصل الثقافي.
التعليقات مغلقة.