إنسانية الإسلام

لما خلق الله عزوجل الإنسان في هذه الدنيا لم يتركه هملا بل فطره على العبودية، فابتدع لنفسه إله يعبده لشعوره بالضعف والحاجة إلى غيره، فكان مدعاة للبحث عن من يلوذ إليه في الأزمات والشدائد، فكان أن عبد الشمس والقمر والكواكب ….الخ، وكل ما كان ظاهرا وملموسا أمامه. ولما ابتعث الله عز وجل  الأنبياء والرسل مؤيدين بما يؤكد صدق دعوتهم ونبوتهم، فآمن من آمن وكفر من كفر، وكان الأنبياء والرسل يتعاقبون حاملين رسالة واحدة؛ وهي رسالة التوحيد. فكل نبي واصل على طريق سلفه وان اختلفت الشرائع باختلاف المكان والزمان والظروف، وكذلك طبيعة الإنسان. ولم يكن البتة أدنى خلاف في الأديان، لأن الدين واحد، والدعوة واحدة، ولكن الخلاف تمثل في الأتباع. ومن الملاحظ أن كل أمة كانت تلعن التي قبلها، وتنكر الرسالة التي سبقت، إلا الدين الإسلامي، فصاحب رسالته سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جاء ليتمم ما سبق، بوصفه اللبنة الأخيرة والمكملة للبناء كما قال عليه الصلاة والسلام.  فقد  اثنى على اللبنات التي سبقته من الأنبياء والرسل ووصفهم بأحسن الصفات، ولم يدعي لنفسه  قط الكمال والتنزيه، بل كان قرآن يمشي على رجليه كما شهدت بذلك أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها. وكذلك سيرة النبي العطرة التي أذهلت العالم حتى الآن، لأنها حملت قيما إنسانية أرادها الخالق أن تتجلى في سلوك عباده.

كانت وما تزال دعوة الإسلام بعيدة عن التعصب وأداة بناء للإنسان والوطن، وكذلك الحضارة الإنسانية برمتها. و لم يجعل  الشرع الإسلام مجرد انتساب بالقول أو الاسم أو حتى الشكل، بل هو إيمان مقترن بالعمل الصالح، عمل صالح بمختلف أبعاده وتمثلاته، محذرا من الكراهية المقيتة التي تحرق كل شيء حتى الشخص نفسه. فأصبحت سيرته أداة قياس تقاس بها أخلاق المسلم، ودعا إليها أصحابه ورباهم عليها كما دعانا نحن إليها. فمن يتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يجد الكمال الإنساني في التعامل، فكان بحق أسوة حسنة؛ أحبه حتى الأعداء لأنه خاطب فطرتهم الأولى التي ولدوا عليها، فعلم الإنسان كيف يحيى بسلام، اهتم بالروح قبل الجسد، لأن الروح سفينة الجسد، فربط الإنسان بآخرته،وكان دائما يذكره بالغاية العظمى التي من أجلها خلق. فلا غرابة أن يكون الإسلام هو الدين الخاتم، لأنه حمل في محتواه أسمى التجليات الربانية فجعل سعادته الدنيوية مرتبطة بسعادته الأخروية، ومن يحاولون الآن الإساءة للإسلام والمسلمين قد نجحوا عموما، ليس لأنهم على حق، بل لأنهم استغلوا جهلنا بديننا وبعدنا عن قيمنا، فأصبحوا يلصقون بنا تهما ونعوتا وأوصافا، صدقناها نحن أيضا ، ونتحرج من التحدث بفخر عن إسلامنا، حيث اختلت الموازين لما صار الحق باطلا والباطل حقا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا، وسكت أهل الحق عن قول الحق، حتى توهم أهل الباطل أنهم على حق .

التعليقات مغلقة.