الملاءمة بين التكوين والتشغيل بالمغرب:أي تكوين لأي عمل؟

تشكل الساكنة في سن الشغل ببلدنا %63 من الساكنة الإجمالية وتتزايد سنويًا ب370.000 شخص ، كما تشكل أحد تعابير هبة الانتقال الديمغرافي و مصلحتنا الملحة لاستغلالها لطبيعتها المؤقتة، عبر نهج سياسة تنموية متسمة بالمتانة والاستدامة اللازمتين لتحسين مستوى معيشة الأجيال ، يتلاءم فيها التكوين والتشغيل.

مع الإشارة إلى أن وتيرة معدل نشاطنا لا تحقق النجاعة منذ سنوات، بل إنها في انخفاض مستمر منذ سنوات 2000 ، كما راكم معدل التشغيل ضعفا كميا ونوعيا، منتقلا من %46 إلى %42 . وهذه كلها مؤشرات تبعث رسالة مقلقة في سياق اقتصادي يتسم بإكراهين: نمو متباطئ، متوسطه السنوي متنقل من 5% بين سنوات 2000 و2008 إلى%3,7  خلال سنوات 2009-2017، مع انخفاض محتواه من30.000  منصب في المتوسط لكل وحدة نمو إلى 10.500  بين الفترتين، مساهما في رفع معدلات البطالة والشغل الناقص إلى مستويات مرتفعة بشكل مزمن.
من البديهي والحالة هذه، أن تفرض مسألة التشغيل نفسها على بلادنا بحدة وبصفة دائمة، على رأس برمجة التثمين الضروري لمواردها البشرية، وصلابة تقدمها الاقتصادي والحفاظ على استقرار مجتمعها ودينامية مؤسساتها الديمقراطية.

وبهذا تكتسي دراسة العلاقات بين التكوين، في بعديه العمومي والخاص للتعليم العام والتكوين المهني من جهة، ولعرض الشغل في سوق العمل من جهة أخرى، أهمية استراتيجية.
الطابع الهيكلي والمستوى مجالي وطنيا وجهويا
الدراسة تقارب بمحتوى بعدها البنيوي التشغيل من زاويتي المدونة الوطنية للتكوين التي تضم ، 1672 نوعا من مستويات شواهد التعليم والتكوين والمدونة الوطنية للمهن التي تجرد ما يفوق 896 مهنة ، من زاوية تجلياتها في ظواهر البطالة ودونية المناصب بالنسبة للدبلوم أو الترقية فيها أو الملاءمة بينهما أو الارتقاء في الأولى اعتبارا لمستوى الثانية.
مقاربة بعض الخلاصات العامة
الاستنتاجات العامة تكتسي فائدة تقييمية لسياساتنا الوطنية في هذا المجال ، يمكن صياغتها على شكل بعض الملاحظات:

1- نلاحظ أن ساكنتنا المشتغلة تضم عددا أكبر من حاملي الشهادات مقارنة مع الساكنة النشيطة بنسب تصل على التوالي إلى حوالي  %48و%51. ويشكل حاملوا شهادات التعليم العام و حاملوا شهادات التكوين المهني ضمنها نسبة أكثر ضعفا، تصل إلى %38 بالنسبة للأولى عوض %40 وبحوالي %10 عوض %11 بالنسبة للثانية.

بالمقابل، تبدو نسب حاملي شهادات التعليم العام وحاملي شهادات التكوين المهني في صفوف السكان العاطلين، هي الأكثر ارتفاعا حيث تصل على التوالي إلى حوالي %48 و%17  ، و يجد هذا الارتفاع النسبي في مستوى التأهيل العام تفسيره في تباين تأثير البطالة على نوع التكوين ومستويات التأهيل والشهادة.

هكذا بلغ معدل بطالة حاملي شهادات التعليم العام في المتوسط حوالي %20 وما يقرب من%26  بالنسبة لحاملي شهادات التكوين المهني و%11,2  تقريبا ضمن النشيطين المشتغلين بدون شهادة.

يأخذ معدل البطالة اتجاها نحو الارتفاع من القاعدة نحو القمة لهرم المستويات المهنية للتكوين والشهادات، في حين يأخذ هذا الاتجاه عموما منحى معكوسا في حالة هرم مستويات وشهادات التعليم العام.

تنخفض معدلات البطالة مع شهادات التعليم العام من مستوى الثانوي والإعدادي حتى دبلوم الدراسات الجامعية العامة (DEUG)، حيث تنتقل على التوالي من %22 إلى%15  تقريبا بينما تنتقل بعد الإجازة إلى حوالي%19  من بين المجازين إلى %16 من بين حاملي دبلوم الدراسات المعمقة/دبلوم الدراسات العليا/الماستر، لتنخفض إلى %7,7 بالنسبة للمهندسين/الأطر العليا وإلى %4 بالنسبة للدكاترة.
و فيما يتعلق بالتكوين المهني تعرف البطالة منحى مختلفا لحاملي شهادات التكوين المهني إذ يرتفع بحوالي %21 للحاصلين على شهادة الاستئناس المهني، إلى %26 بالنسبة لحاملي شهادة التخصص المهني، و%29 بالنسبة لحاملي شهادة التأهيل المهني، وحوالي %27 بالنسبة للتقنيين المتخصصين.

يتضح أن المردودية الخارجية للتكوين المهني تبين بدون التباس مستوى أداء مشكوك فيه، سواء من حيث الكم أو النوع مقارنة مع مثيلتها بالنسبة للتعليم العام.

2 –  مع معدل وطني يبلغ في المتوسط %7,6 بين مجموع حاملي الشهادات، فإن حاملي شهادات التكوين المهني يسجلون معدلا إجماليا على مستوى دونية المناصب بالنسبة للدبلوم يفوق بثلاثة أضعاف ذلك الخاص بحاملي شهادات التعليم العام مسجلين على التوالي %33,6 و %11,6 .

هذا التباين بين معدلات دونية المناصب بالنسبة للدبلوم بالنسبة لحاملي شهادات النوعين من التعليم، تتواجد سواء على مستوى المهن المزاولة من طرف أصحابها أو بالنسبة للحرف التي يمارسونها وقطاعات الأنشطة التي تشغلهم.

إن دونية المناصب بالنسبة للدبلوم هي في الآن ذاته نتاج ضعف ملاءمة الشهادات مع عرض الشغل وضعف مستوى وتنوع هذا العرض ، اذ تظل مرتفعة بشكل خاص في ” الفلاحة والغابات والصيد” ، و” الصناعات الاستخراجية والتحويلية”، و البناء أيضا والأشغال العمومية حيث يكون عرض الشغل مرتفعا وضعيف التأهيل، في حين تتجه نحو الانخفاض ، في الإدارة العمومية، و التعليم والصحة والتي تتطلب مناصب الشغل فيها تأهيلا أكبر.

بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ أنه عندما يتعلق الأمر بفئة حاملي الشهادات فإن دونية المناصب بالنسبة للدبلوم تكون نسبيا غير ذات أهمية في المهن التي يخضع فيها التوظيف لدليل مرجعي دقيق للكفاءات أو في تلك التي تستوجب ممارستها تكوينا خاصا. وهكذا، فإن الملاءمة بين التشغيل والتكوين، تظهر بجلاء في المهن التابعة مثلا للنظام المالي، والإدارة العمومية و الصحة أو في المجالات ذات الطابع الديني أو الأمني.

3 –  نستخلص أنه لا يمكن تقييم التكوين المهني بالنظر للضعف البين لملاءمته مع سوق الشغل،  دون وضعه في إطار الهياكل الاقتصادية الوطنية. فالمناصب التي توفرها هذه الأخيرة والتي لا تتطلب في معظمها أي تأهيل فضلا عن ضعف الحماية والأجر، الأمر الذي يبخس في الواقع التكوين ولا يشجع الأفراد و الأسر على الاستثمار من أجل الحصول على أكثرها كفاءة.

يمكننا من الآن فصاعدا على ضوء دراسة ” التكوين و التشغيل” ، تجنب السؤال العميق المشروع طرحه، أي تكوين لأي عمل؟ مع العلم أن الجواب يقتضي معرفة مناصب الغد التي تطرح اليوم إشكالية والتي تظل بدورها خاضعة لمستوى التوقع المتاح لنا حول التطور الذي يجب أن تعرفه بنياتنا الاقتصادية والاجتماعية ومن ثمة السياق الاقتصادي الدولي الذي يعرف تحولا عميقا.

التعليقات مغلقة.