أولياء ظرفاء : الولي الصالح خويا ابراهيم

ميمون ام العيد

أولياء الهامش كمؤسساته تماما.. متواضعون بلا زخرف ولا نقش، قبور بسيطة تليق بالموت وقداسته.

لكل قبيلة وليها الذي تقيم له موسما كل سنة، تلجأ إليه في لحظات الضعف والهوان، لإيمانها أن في مقدوره تخليص الحجاج وطالبي خدمة معينة، وقد يتوسط لهم لتحقيق مآربهم كأضعف الإيمان.

قبل عشرات السنين كان الناس يُقسمون بهؤلاء الأولياء ولا يحنتون أبدا، لاعتقادهم أن للولي قدرة كبيرة على تأذيب الكاذب والقاسم زورا.

لكن العجيب أن كل قبيلة تعتقد ببركة وليها وقدرته الخارقة في إشفاء المرضى وإعطاء الذرية للعاقرين وإعادة الرشد للمجانين والمختلّين، وفي النفس الوقت تسخر تلك القبيلة من ولي القبيلة المجاورة، وتعتبره مجرد قبر كأي قبر.

إذ يحكي الرواة أن رجلا كاد يسقط من ظهر بغلته فصاح : “يا خويا ابراهيم شُدَّ أزري وساعدني”.

سمعته زوجته ووبخته كثيرا: ” أُطلب مآزرة خُويَا لْحْسن يا رجل، أما خويا ابراهيم فهو ليس سوى لصّا وقاطع طريق يعتقد ببركته المعاتيه”. وكلا الوليان يوجد قبرهما بشعاب صاغرو، لكن كل قبيلة تعتقد ببركة وليها دون ولي الآخرين.

يُقام موسم الولي الصالح خويا ابراهيم تزامنا مع ليلة القدر من كل سنة، إذ يتحمل زوار قبره من أحفاده ومحبيه والمؤمنين ببركته، يتحملون السفر في المنعرجات الوعرة غير المعبدة في رمضان للوصول إلى قلب جبل صاغرو، ومن الصدف أن المكان الذي دفن فيه هذا الولي المجهول هو نفسه المكان الذي دارت فيه رحى حرب بوكافر بين الجيش الفرنسي والمغاربة. حتى أن توقيع الهدنة بين الطائفتين عندما وضعت الحرب أوزارها كان على مقربة من هذا الضريح، ذلك لأن فرنسا كانت عارفة بما يمثله هذا القبر من رمزية عند هذه القبائل المحاربة.

يحمل إليه الزوار وقاصدو بركته النعاج والخرفان والقرابين التي وعدوه بها في السنة الماضية، إذ يقول أحدهم : ” إذا تحقّق لي كذا وكذا سآتيك الموسم المقبل بجدي سمين”.
وهناك من يعده بعجل كبير، حسب الأمنية المطلوبة وجسامتها.

زوّار يطلبون أمنيات بسيطة كعودة غائب ترك الديار، أو نجاح تجارة، أو إيجاد عمل أو الزواج. ويتلون أبتهالات تمجد الولي وترفعه إلى مصاف الصدّقين والوسطاء والرسل، ابتهالات تسمى محليا بـ”الثّكْر” وهي نطق دارج لكلمة الذِّكْر..

تعود بركة الولي خويا ابراهم دفين امساعدن إلى الأزمنة الغابرة، إذ كان يجوب المكان بحثا عن الرزق، وينسب له الرواة الكثير من عمليات النهب والسرقة في صباه وشبابه. إلا أنه ذات يوم بينما هو عائد من رحلة صيد عثر على امرأة نفساء في مكان مهجور، تشتهي أكل اللحم ولا تقوى على الحركة، فبدأت تشوي قطعة جلد قديم، فقط لأن رائحة احتراق الجلد يشعرها بتحقيق رغبتها الشديدة في تناول اللحم المشوي.

تقول الأسطورة التي أُلبست تاريخ الرجل، أن خويا ابراهيم عاد إلى المرأة النفساء يحمل إليها كبشا سمينا، ذبحه وبدأ يشوي لها اللحم كما اشتهت إلى أن أحست بالشبع، فرفعت أكف الضراعة إلى الله مهَمهِمة بأعدية وابتهالات للرجل الذي أطعمها من جوع وآمنها من خوف. فبدأت الكرامات الرجل تظهر بعد تلك الواقعة، وذكرت الرواية الشفوية العديد من مناقب خويا ابراهيم الذي اعتزل اللصوصية وغدى من صلحاء المنطقة يفك النزاعات ويشفي الأمراض ويعيد الرشد لمن فقد العقل، تتبرك به النساء العاقرات، وتقصده العوانس بحثا عن فارس أحلام، ويسافر إليه من بارت تجارته وانقطعت عنه سبل الرزق.

يقول أحفاده والمؤمنون ببركته أنه ” لما جاءه الأجل شعر بنهايته فطلب من أتباعه بأن يضعوا جسده المسجى عندما يموت على ظهر ناقته، ويتبعوها فهي تعرف مكان دفنه، إذ سيظهر طائرين يحلقان في مقدمة الركب إلى أن يحطّا فذاك هو القبر المنشود”.

ولم تنقطع سيرة الرجل بموته، فقد بنت له القبائل مزارا متواضعا ودأبت على زيارته كل سنة والتبرك به، وحيكت حوله الأساطير والعجائب مما لا يصدّقه عقل ولن يقبل تكذيبه الأتباع والمريدون.

لا تجارة في موسم خويا ابراهيم، ولا نية ربح أو بيع، لا أحد يبيع شيئا ولا آخر يشتريه. ولا شخص أو جمعية أو عائلة تجمع الهدايا وتعتاش من القرابين كما هو شأن العديد من المزارات. كل من جاء محملا بقربان، كبش أو جدي أو عجل، يدبحهُ قرب الضريح وينادي على كل السكان المجاورين وعابري السبيل وقاصدي الولي، أن هبّوا لتأكلوا وتشربوا.

فالجميع مدعو لحفل شواء لا ينقطع إلى أن تنتهي أيام الموسم ويعود الزوار والمريدون وقد قضيت حوائجهم أو أُجِّلت..

تقتضي زيارة خويا ابراهيم أن يخلع الزائر نعليه في مدخل الضريح، يُبسمل ويُحمدل ويُحوقل ويقصد عصا الولي التي كان يتوكأ عليها في حياته، يمسكها من طرفها ويضع كوعه على أرضية الضريح ويتمنى أمنية ما، ثم يُحاول رفع العصا، فإن ارتفعت فما على الزائر أن يُبشر بتحقق مُراده وهدف زيارته، وإن لم يرتفع عُكاز الولي فإن الزائر يعود أدراجه مهموما مدحورا..

التعليقات مغلقة.