الإنفلونزا الإسبانية تنبؤنا عن موجة ثانية لـCOVID-19

إعداد مبارك أجروض

أعاد تفشي COVID-19 الذي أودى بحياة 125 ألف شخص لحد الآن في العالم إلى الأذهان ذكرى فيروس الإنفلونزا الإسبانية الذي راح ضحيته نحو 50 مليون شخص قبل 100 عام، في حصيلة بشرية تجاوزت ما خلفته الحرب العالمية الأولى والثانية؛ فلقد شهد العالم فيروسات وبائية عديدة لكن أكثرها شراسة في التاريخ المعاصر كانت الإنفلونزا الإسبانية التي اجتاحت أنحاء العالم بين شتنبر 1918 وأبريل 1919، سجل الضحايا الأوائل المثبتين للفيروس في الولايات المتحدة، ثم تفشى في أوروبا قبل أن يمتد إلى العالم كله. وقدّر معدّل الوفيات ب2,5% (وفق المراكز الأمريكية).

وإذا كان التحذير الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية من خطورة مواجهة “موجة ثانية فورية” من COVID-19 في الدول التي تشهد تراجعاً في أعداد الإصابات والوفيات، مجرد تخوف زائد عن الحد، غما ذلك إلا لأن وباء الإنفلونزا الإسبانية الذي ضربت العالم قبل قرن من الزمان ينبئنا بالكثير عن سلوك الفيروسات، وخطورتها.

ففي الوقت الذي تنخفض فيه إصابات COVID-19 في دول كثيرة، فإن الأعداد تتحرك باتجاه الصعود في أمريكا الوسطى والجنوبية، وجنوب آسيا، وإفريقيا، بحسب الدكتور مايك رايان، رئيس حالات الطوارئ في منظمة الصحة العالمية.

كما أن خطورة ذروة أو موجة ثانية من الوباء الذي قتل زهاء 355 ألف إنسان حتى الآن لازال قائماً، فكيف تخبرنا تجربة الإنفلونزا الإسبانية بسلوك الفيروسات وموجاتها القاتلة ؟

* بداية الفيروس كانت خجولة

في ربيع عام 1918، وفي خضم صراع الحرب العالمية الأولى، بدأت أكثر سلالات الإنفلونزا دموية في التاريخ الحديث في الانطلاق، فالفيروس الذي أصاب ما يصل إلى 40% من سكان العالم آنذاك على مدى الأشهر الـ18 التالية، وقتل نحو 50 مليون شخص، لم يولد فتاكاً، ولم يأتِ على مرة واحدة، بل جاء على موجات ثلاث، واختلفت موجاته من حيث شدتها، ومدى تحور الفيروس، وقدرته على الفتك والقتل.

فمع البدايات الأولى للمرض في قاعدة عسكرية أمريكية في كانساس في 11 مارس 1918، انتقل المرض لما يزيد عن 1000 عسكري أمريكي، وحصد منهم نحو 38 روحاً، وانتقل مع الجنود الأمريكيين إلى أوروبا أثناء الحرب العالمية الأولى، فانتشر بصورة كبيرة في أوروبا آنذاك، ولكن كانت أعراضه بسيطة، ولم يشكل خطورة كبيرة، فشفي منه أغلب الحالات.

* الهدوء الذي يسبق العاصفة

ومع حلول الصيف، بدأ الفيروس في الانحسار بصورة كبيرة، حتى أيقن الجميع مع اقتراب شهر غشت من نفس العام بزوال المرض تقريباً، وانتصار العالم عليه، إلا أن ذلك لم يكن سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة.

مع نهاية شهر غشت، ظهرت سلالة أكثر فتكاً وضراوة من فيروس الأنفلونزا الإسبانية، وعلى مدار الأسابيع الثلاثة عشر التالية، حدثت معظم الوفيات التي تسبب فيها المرض، والتي تبلغ 50 مليوناً، فحصد الفيروس أرواح الملايين بلا رحمة بعد أن أوهمهم بزواله، فتخلوا عن احترازاتهم والتباعد الاجتماعي كلية، وانتهت الموجة الثانية من الفيروس في منتصف ديسمبر 1918. وفي شهر يناير من عام 1919  شهدت أستراليا الموجة الثالثة الأخيرة من الفيروس، والتي استمرت حتى ربيع ذلك العام، وبرغم انتقالها إلى الولايات المتحدة إلا أنها كانت أقل قسوة من السابقة، خاصة بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، فقد كانت أحد الأسباب الرئيسة في تفشي الفيروس بصورة كبيرة استحالت معها السيطرة، واتخاذ تدابير احترازية.

* كيف يتم تجنب سيناريو الموجة الثانية ؟

لا يمكن الجزم بأي حال من الأحوال بوجوب حدوث موجة ثانية من الفيروس بعد أن يأخذ منحناه في الهبوط، إلا أن ما يحدث غالباً في الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي أنها تنتشر على نطاق واسع ثم تتراجع، كمثل موجات تسونامي، وبعد بضعة أشهر تعاود الظهور من جديد وتنتشر في العالم أو في أجزاء منه فيما يعرف بالموجة الثانية.

لذلك توصي منظمة الصحة العالمية لتجنب حدوث مثل هذه الموجات، بتخفيف القيود الاحترازية شيئاً فشيئاً على مراحل، وهو الأمر الذي استجاب له المغرب من خلال تخفيف القيود تدريجيا، مع إلزام المواطنين والمقيمين والمنشآت والقطاعات المختلفة باتخاذ التدابير الوقائية، والتقيد بإجراءات السلامة والتباعد الاجتماعي، وتحديثها بشكل مستمر، بما يسهم في المحافظة على صحة المواطنين والمقيمين وسلامتهم.

 

التعليقات مغلقة.