بلازما دم المتعافين وCovid-19 هل يعول عليها؟

إعداد مبارك أجروض

يتكون الدم من أربعة مكونات رئيسية. خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، خلايا الدم البيضاء التي تدعم المناعة، وشظايا الخلايا تسمى الصفائح الدموية التي تشكل تجلطات لوقف النزيف، والجزء السائل الذي هو البلازما ويتألف من أكثر قليلا من 50% من حجم الدم. وتساعد البلازما على توزيع البروتينات والمواد الغذائية والهرمونات على جميع أنحاء الجسم، ولكن العلماء مهتمون البلازما كعلاجCovid-19  لأن المادة تحتوي على ما يعرف بـ”الاجسام المضادة بعد العدوى”، وهي بشكل عام بروتينات واقية يمكن أن ترتبط بسطح الميكروبات المهاجمة وتساعد الجهاز المناعي على تفكيكها

وهكذا ففي الوقت الذي يتحدث فيه علماء من مختلف أنحاء العالم عن وجوب الاستعداد لأن “يكونCovid-19  جزءا من حياتنا” بشكل شبه دائم، تكتسب أخبار تحقيق تقدم في علاج Covid-19، أو الوقاية منه، أهمية خاصة، وبينما يمثل العلاج بـ”بلازما النقاهة” من هذا الفيروس استراتيجية “حديثة-قديمة”، يعطي إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اعتماد هذا النوع من العلاج دفعة أمل حول العالم، حتى وإن كانت دول عدة قد جربت استخدام العلاج خلال الأشهر الماضية، فلقد سمحت الولايات المتحدة بصفة مستعجلة بنقل بلازما الدم من أشخاص شفوا من Covid-19 إلى مرضى يعالجون منه في المستشفى. فهل هذا العلاج فعال وآمن ؟ أم أن السماح به يعود لأسباب سياسية ؟

* ما هو علاج البلازما ؟ 

يعتبر البلازما ـ المكون السائل للدم ـ البيئة التي تحتوي على الأجسام المناعية المضادة للأمراض التي تعرض لها الجسم، واستخراجها من المتعافين من Covid-19 سيعطي دفعة مناعية تساعد المرضى على مواجهة الفيروس الذي أصاب عشرات الملايين حول العالم، إن بلازما الدم المستخرجة من المتعافين من Covid-19، تساعد المرضى الآخرين على التعافي .خلال الدراسة، تم إعطاء أكثر من 64000 مريض في الولايات المتحدة بلازما الدم تم استخراجها من متعافين من عدوى Covid-19، وهي طريقة عمرها قرن من الزمان كانت تستخدم لدرء الأنفلونزا والحصبة.

ويتم تنفيذ هذا العلاج عادة عندما تظهر أمراض جديدة، ويشير التاريخ إلى أنه أثبت فعاليته ضد بعض أنواع العدوى، وليس كلها. وقال الباحثون إن عدد الوفيات بين الأشخاص الذين عولجوا بالبلازما على مدى ثلاثة أيام من التشخيص، كان أقل مقارنة مع الأشخاص الذين لم يخضعوا للعلاج بهذه الطريقة، فعندما يصاب شخص بCovid-19، يُنتج جسمه أجساماً مضادة لمحاربة Covid-19 المسبب له. وتتركز الأجسام المضادة في البلازما، الجزء السائل من الدم، يقوم العلاج الذي سمح به هذا الشخص على أخذ أجسام مضادة من أشخاص أصيبوا بالعدوى لكنهم تعافوا، مما يُسمى بلازما النقاهة، وحقنها في المرضى، لقد جُربت هذه الطريقة لأول مرة في عام 1892 لمكافحة الدفتيريا، ثم ضد الأنفلونزا الإسبانية في عام 1918.

* هل هو آمن ؟ 

بحسب التقارير، فإن الدراسة لم تكن دراسة رسمية، حيث تم علاج المرضى بطرق مختلفة في المستشفيات في جميع أنحاء الولايات المتحدة كجزء من برنامج إدارة الغذاء والدواء المصمم لتسريع الوصول إلى علاج تجريبي لCovid-19. ويتتبع ما يسمى ببرنامج الوصول الموسع، ما يحدث للمرضى أثناء فترة علاجهم بما في ذلك أولئك الذين يخضعون للعلاج ببلازما دم المتعافين، من جهتها قالت الدكتورة ميلا أورتيغوزا من جامعة نيويورك، في إشارة إلى استخدام البلازما في جائحة إنفلونزا عام 1918: “على مدار 102 عاماً كنا نتناقش حول ما إذا كانت البلازما في فترة النقاهة مفيدة أم لا. هذه المرة، نحتاج حقاً إلى أدلة لا تقبل الجدل حول مدى فعالية هذه الطريقة”.

ويقول العلماء، إن الجسم يصنع بروتينات تسمى الأجسام المضادة التي تستهدف بشكل خاص مكافحة العدوى التي تهاجم الجسم، وتطفو الأجسام المضادة في بلازما الدم، وهي الجزء السائل المصفر من الدم. وعلى الرغم من نتائج البحث، إلا أنه لا يوجد دليل قاطع حتى الآن على أن بلازما دم المتعافين تحارب Covid-19. وقد تم نشر نتائج الدراسة، على الإنترنت قبل إجراء مراجعة علمية لها، وفق ما نقل موقع “إم إس إن” الإلكتروني. ولم تُعط إجابة محددة لسؤال عن مدى أمنه حتى الآن، على الرغم من أن النتائج الأولية مشجعة؛ فلقد تابعت شبكة مستشفيات مايو كلينيك الأميركية نقل البلازما لدى مجموعة من 20 ألف مريضا ولاحظت معدلاً منخفضاً للغاية من الآثار الجانبية المعروفة، وقال الدكتور سكوت رايت الذي أجرى الدراسة لوكالة فرانس برس “خلصنا إلى أن استخدام بلازما النقاهة آمن”.

* هل هو فعال ؟ 

يعطي نقل البلازما من شخص متعاف إلى شخص مصاب “هزة فورية” لجهاز المناعة لدى المصابين، وتساعد على تحفيز نظام المناعة لديهم وخلق أجسام مضادة خاصة بهم، أي إنها بشكل عام يمكن أن تقصر من طول مدة المرض، لأن الجسم البشري لا يبدأ بصناعة الجسيمات المضادة إلا بعد أسبوع ـ ثلاثة أسابيع من المرض، كما يمكن أيضا أن تخفف من حدة المرض بتقليل الحمل الفيروسي الذي يتضاعف كلما طالت فترة الإصابة.

كما إن هذا العلاج قد يمنع تلف الجهاز التنفسي ومضاعفات نوبات ضيق التنفس الشديد، وفيما يتعلق بمسألة فعاليته، يتفق جميع الخبراء على أن هناك حاجة إلى مزيد من التجارب الإكلينيكية لمقارنة البلازما بطرق الرعاية القياسية، وقالت الدكتورة سوميا سواميناثان، كبيرة العلماء في منظمة الصحة العالمية: “في بعض الحالات، تشير النتائج إلى تسجيل فوائد، لكنها لم تكن قاطعة”. واقترحت دراسة أخرى من مايو كلينيك أن البلازما ساعدت في تقليل معدل الوفيات لدى مرضى Covid-19 عندما حقنوا بها مبكرًا وكانت مستويات الأجسام المضادة مرتفعة، لكن الدراسة، وهي لم تكن تجربة إكلينيكية، لم تخضع بعد لمراجعة الأقران ولم تستخدم دواءً وهمياً.

ويجري باحثون في جامعة جونز هوبكنز دراسة موازية تستخدم فيها البلازما لمحاولة تحصين المرضى ضد Covid-19 قبل أن يمرضوا. وقد قارنها الدكتور ديفيد سوليفان، المشرف على التجربة، بما يشبه “اللقاح الفوري”. وقال إنه إذا كانت النتائج قاطعة “يمكننا إخبار الأشخاص المعرضين لخطر كبير بأنه يمكنهم الحصول على العلاج في وقت مبكر وبأن ليس عليهم أن يقلقوا بشأن الذهاب إلى المستشفى”. ولكن هذا الخيار، إذا ثبت أنه فعال، لا يمكن استخدامه على نطاق واسع. ويعتقد بعض العلماء أنه سيكون من الأهمية بمكان تطوير أجسام مضادة اصطناعية، تسمى الأجسام المضادة أحادية النسيلة، والتي يسهل توزيعها على نطاق واسع.

* هل سُمح باستخدامه لأسباب سياسية ؟

لقد اقترح علماء استخدام دم الناجين كوسيلة لمنع عدوى Covid-19 في المقام الأول، ولكن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من البحوث حول كيفية عمل ذلك. الأجسام المضادة هي بروتينات على شكل حرف Y تنتجها خلايا الجهاز المناعي من نوع B للمساعدة في مكافحة البكتيريا والفيروسات وكل نوع من هذه الأجسام يحمل مستقبلات تتفاعل مع تهديد عدوى محددة ويفرز الأجسام التي يمكن أن تفكك مصدر العدوى، أو “تضع علامة عليها” لكي تدمر من قبل خلايا الجهاز المناعي الأخرى، مثل الخلايا التائية، وتمتلك الخلايا من نوع B ما يشبه الذاكرة التي تجعلها تتعرف مجددا على الفيروسات في حالة تكرار العدوى، وتتعامل معها بشكل أسرع. ولأن فيروس كورونا يشبه، نوعا ما، فيروس الانفلونزا، وجد العلماء أن بعض الناس الذين لم يتعرضوا أساسا لCovid-19، لديهم خلايا تائية تتعرف عليه، لكن مشكلة هذه الخلايا إنها تتلاشى بعد فترة فلا تمنح المصابين مناعة دائمة ضد المرض.

ولقد شكك المعلقون السياسيون في توقيت صدور الإذن عن وكالة الأدوية الأمريكية باستخدام هذا العلاج قبل شهرين فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفيما يتعرض دونالد ترامب للانتقاد بسبب إدارته الأزمة الصحية ويبدو متخلفاً عن منافسه الديموقراطي في استطلاعات الرأي. في نهاية مارس، أذنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بالفعل بصورة طارئة باستخدام دوائي الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين، وهما علاجان دافع عنهما الرئيس. لكن الإذن سُحب بعد التحذيرات من آثارهما الجانبية على القلب، وبعد دراسات واسعة أظهرت أنهما غير فعالين ضد Covid-19. وفي الإعلان عن الإذن باستخدام علاج البلازما، قدم دونالد ترامب وكذلك وكالة الأدوية إحصائية رئيسية بشكل محرّف، بقولهما إن البلازما خفضت معدل الوفيات بنسبة 35%.

وأوضحت متحدثة باسم إدارة الغذاء والدواء في وقت لاحق أن الرقم يشير في الواقع إلى انخفاض خطر الوفاة لدى الأشخاص الذين تلقوا مستويات عالية من الأجسام المضادة في دراسة مايو كلينك، مقارنة بأولئك الذين تلقوا مستويات منخفضة منها. حتى أن مدير إدارة الغذاء والدواء الدكتور ستيفن هان اعتذر عن تحريف مدلول هذا الرقم. وقال المسؤول في تغريدة على تويتر مساء يوم الاثنين “لقد تعرضتُ لانتقادات بسبب التصريحات التي أدليتُ بها مساء الأحد حول فوائد بلازما النقاهة. النقد له ما يبرره تماماً. ما كان يجب أن أقوله هو أن البيانات تظهر انخفاضاً نسبياً في المخاطر وليس انخفاضاً مطلقاً في المخاطر”، واستنكر الدكتور ماثيو هاينز الذي عمل في وزارة الصحة في ظل إدارة أوباما الأمر قائلاً إن “هذا يقوض مصداقية الحكومة الأمريكية بأكملها”. لكن الدكتور دانيال هانلي الذي يرأس التجارب الإكلينيكية في جامعة جونز هوبكنز أكد أنه تم بالفعل الوصول إلى مستوى النتائج اللازمة لإعطاء الإذن بصفة عاجلة.

التعليقات مغلقة.