هل انتهى الريع البشري الحي بالقنيطرة ليحط الرحال في الأموات؟

محمد حميمداني

الريع من أخطر الأمراض التي تصيب المجتمعات، وتساهم في تدمير الاقتصاد والاجتماع وحتى الإنسان، فهل تفشى الريع ليتجاوز الريع البشري، ويطال المقابر، وذوي الموتى؟ ذلك هو واقع الحال الذي تعيش تحت كنفه عائلات وذوو الموتى ممن يلجون مقبرة “الرضوان”، لدفن أحبابهم، ليفاجأوا بجيش من المبتزين لا يدعون حتى فترة العزاء لإفراغ جيوب الأسر المكلومة في فقد عزيز عليها.

مقبرة “الرضوان” الجماعية، المتواجدة قرب حي “أولاد امبارك”، والتابعة للجماعة الحضرية بالقنيطرة التي يترأسها الوزير “عزيز الرباح” ومجلسه “الإخواني”، وظفت جمعيات موالية لحزب “المصباح” بالقنيطرة لإدارة المقبرة من خلال عقد شراكة، عقد وقع في المرة الأولى مع إحدى جمعياته مند سنة 2012، ليجدد لاحقا مع إحدى أجنحة جمعياته الحزبية الأخرى ابتداء من سنة 2020.

التدبير الذي هو في الأصل عمل تطوعي، نص على مقابل مادي حدد في مبلغ 50 درهم تدرج ضمن مداخيل الصندوق الجماعي، ليتحول لاحقا إلى ابتزاز واستثمار في الأموات من خلال إلزام جميع أسر الموتى، ومهما كان وضعهم الاجتماعي بدفع 800 درهم عن كل جثة لمسلم يتم دفنها.

مقبرة “الرضوان” التي جاء إعدادها في إطار مشروع المخطط الاستراتيجي، الذي وقع بحضور الملك “محمد السادس”، والتي رصد لها مبلغ 21 مليون درهم، من أجل تهيئة المرافق الضرورية والطرق، ومستلزمات شروط الأمن والسلامة، لم يصرف منها المجلس سوى 7 ملايين درهم أنفقت على تشييد السور المحيط بها، وإقامة بعض المساكن شبه العشوائية، على الرغم من أن مهلة إنجاز المخطط الاستراتيجي قد انتهت سنة 2020.

لكن سلطة  سطوة الريع، أبت إلا أن تحول المشروع الجماعي والاجتماعي والإنساني، إلى بئر يذر ذهبا على القائمين على الجمعية، والذي يصل إلى ما يزيد عن 30 مليون سنتيم شهريا، والأخطر من ذلك، أن تلك الأموال الطائلة لا تدخل الصندوق الجماعي، ولا تدون في كشوفات المداخيل الجماعية، ولا يعرف مصيرها؟، ولا من هم المنتفعون من تلك الإيرادات؟ وما هي الأسس التي يتم بموجبها الاستفادة من هاته الطفرة الريعية؟ علما أن المقبرة تستقبل يوميا ما بين 6 إلى 18 جثة يوميا.

وضع يجعل الموتى هم أيضا، كما عائلاتهم يسقطون في شرك الابتزاز والريع المفوض باتفاقية شراكة، ذات أبعاد حزبية من جهة المظهر، و أخرى من المفروض فتح تحقيق حول حيثياتها لكشف مستور خباياها، لينام الموتى والمال المسلوب بأمان، ويقرأ الأحياء الصلاة على موتاهم و يترحموا على أرواحهم بقلب مفتوح، بدل الدعاء على من سلب دموعهم لقمة لمجابهة الجائحة وأسقطهم تحت رحمة جوائح أخطر و أعمق، مست قوت أبنائهم.

ربما كانت دورة المجلس الجماعي للقنيطرة نقطة كشفت جزءا مما تخفيه الغابة الكثيفة في عاصمة الغرب، والتي صعدت باتهامات لجمعيات موالية لحزب “المصباح” بالمتاجرة بالموتى.

وهي الفضيحة التي فجرتها أطراف من المعارضة في وجه رئيس المجلس البلدي بالقنيطرة، والوزير في حكومة “سعد الدين العثماني” خلال دورة فبراير، والتي صدعت بتعرض العائلات للابتزاز، بمقبرة “الرضوان” من طرف القائمين على تدبير شؤون المقبرة الجماعية.

ولم يقتصر الابتزاز على رسوم الدفن، بل تجاوزه لفرض حفر و بناء القبر بقيمة تراوحت في سوق استثمار المقبرة ما بين 1500 درهم و 4000 درهم وبالتالي تحول المقبرة، و الأموات الذين كانوا يتنظرون الإكرام بالدفن، بلغة الدين الحنيف، والتي يستمد منها الحزب الحاكم “مرجعيته”، إلى متجر ريعي وبقرة حلوب تسمسر في جثت موتى المسلمين بلا حسيب و لا رقيب، علما أن مهامهما تنحصر في دفن الغرباء و ليس بناء القبور لجميع الموتى والابتزاز في الجثث.

المكتب المسير الذي حاول إبعاد المسؤولية عنه، بتشتيت الكرة في أي اتجاه، بلغة “الكوايرية”، لم يجد بدا من الاعتراف بوجود الابتزاز، مقرا بأنه قد تم وضع شكاية في الموضوع لدى الجهات المختصة، وقد تم اعتقال المعنيين بالأمر الذين قدموا للعدالة.

 

 

التعليقات مغلقة.