أطماع ألمانيا في الصحراء المغربية.

إخواني المهتمين بالقضية الوطنية اسمحوا لي أن أعرض أمامكم فصل من فصول الذاكرة التاريخية، المرتبطة بالمجهودات التي قامت بها الدولة المغربية للدفاع عن وحدة بلادها الترابية، أمام المحاولات الأجنبية التي أرادت التسرب إلى العمق الصحراوي المغربي، لقطع الطريق عليه في علاقاته التجارية مع السودان الغربي الذي ظل يسيل لعاب العديد من الأمم الأجنبية بسبب مواده التجارية الغنية كالذهب وريش النعام والعاج والصمغ والعبيد.

وليسهل عليها كذلك تطويق المغرب من حدوده الجنوبية لتسقط أقاليمه الشمالية بسهولة في أيديها، لكن كل هذه المحاولات الأجنبية قد فشلت بسبب تصدي السلاطين العلويين، ويقظة خدامهم وممثليهم في هذه الأقاليم، ومنعهم للسفن الأجنبية الطامعة في الرسو في سواحل الصحراء المغربية، لتدشين علاقات تجارية مباشرة مع القباءل دون الحاجة إلى ترخيص أو إذن من السلطان الحاكم الرسمي للبلاد والمخاطب الأول في عقد مثل هذه الصفقات التجارية.

وللتذكير فقط فقد تصدى السلاطين المغاربة للعديد من المحاولات البرتغالية وطردهم من أزمّور والجديدة وأسفي وآكادير، كما تصدوا للإسبان وقاموا بطردهم هم الآخرون من سواحل الصحراء المغربية منذ سنة 1478، واقتلعوا من تربتهم النقية المركز البحري الذي أسسه الإسباني دييغو دي هيريرا المسمى حصن سانتا كروز دي ماربيكينيا 1524.

وانتفض السلطان العلوي سيدي محمد الثالت في وجه السفير الاسباني خوان كونزاليس سنة 1767 وحذره من مغبة نزول رعاياه الإسبان إلى سواحل بلاده الجنوبية دون الحصول على إذن مباشر منه دون سواه، كما واعترض أيضا على محاولات التاجر الاسكتلندي المدعو كلاص الذي حاول هو الآخر الاستقرار بالجنوب المغربي وبناء مركز تجاري، وتصدى السلطان مولاي عبد الرحمن لمحاولات القنصل الفرنسي de Laporte الذي ظل يحلم بفتح مرسى للتجارة مع بلاده انطلاقا من سواحل بلاد وادي نُون، فيما تصدى السلطان سيدي محمد الرابع لمحاولات المغامرين الإسبانيين جاكوب بوتلير وأعوانه الذين حاولوا التدليس على سكان كليمين للسماح لهم بالاستقرار بين ظهرانيهم وتمكينهم من كل ما يحتاجون إليه من مواد غذائية وتجارية، لكنهم وقعوا في الأسر فتدخلت الحكومة الإسبانية بشكل رسمي وطلبت من السلطان المغربي التدخل لافتداء أسراها وتحريرهم من السجن.

أما السلطان مولاي الحسن الأول فقد كان له سجال طويل دام طيلة فترة حكمه للمغرب مع العديد من الدول الأجنبية التي حاولت النيل من سيادته على هذه الأقاليم الصحراوية، فتصدى في أول الأمر للإنجليز الذين احتلوا ساحل طرفاية سنة 1879 ونزل على رأس جيشه في حركته الشهيرة لبلاد سوس سنة 1882، وعين نائبا عنه على سوس والصحراء هو الشيخ ماء العينين وذلك سنة 1879 أي قبل مجيء الإسبان إلى سواحل وادي الذهب بخمس سنوات، وادعاءهم أنهم احتلوا هذه السواحل لأنها كانت خالية من السكان، وتصدى أيضا لمحاولات الفرنسيين في كل من تندوف المغربية وعين صالح وكلومب بشار وتيديكلت وكورارة وتوات، ووطد علاقاته مع ممثليه هناك من قبائل القنادسة وابن الأعمش وأهل تاجكانت وذوي منيع وأولاد سيد الشيخ وأولاد جرير.

وفِي ظل هذه المنافسة الشرسة الدائرة رحاها بين الدول الأوربية حاولت دولة ألمانيا البحت عن موطىء قدم لها في المغرب لمنافسة الآخرين، فتفتقت شهية الألمان لاحتلال قطعة أرض من الصحراء لإقامة مشاريعها التوسعية الاستعمارية.

لكن قبل الغوص في ثنايا هذا الموضوع دعونا نتساءل عن أسباب هذا الخروج أو الموقف المعادي الصادر عن دولة ألمانيا بخصوص مغربية الصحراء؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات بعد أن صمتت لأربعة عقود من الزمن؟ تم نطقت بلسان حال أعداء الوحدة الترابية الذين أصيبوا بالهيستيريا بسبب النجاحات المتتالية التي حققها المغرب بفضل السياسة الرشيدة للملك محمد السادس، ولقد أبانت عن مواقفها العدائية إزاء المغرب منذ شهور خلت، وحاولت بكل الوسائل إقصاء المغرب من دائرة الأضواء التي سلطت عليه بعد نجاحه في الوساطة بين الأشقاء الليبيين، ولهذه الأسباب نهمس في أذن القادة الألمانيين لنقول لهم لن تستطيعوا زعزعة يقين المغاربة بوحدتهم الترابية، ولن تفلحوا في مسعاكم ولو اجتمعتم أنتم وجنكم وإنسكم وكل من يدور في فلككم، لأننا عاهدنا ملكنا المشمول برحمة الله المغفور له الحسن الثاني وأقسمنا أمام الله على أن نبقى أوفياء لروح قسم المسيرة الخضراء، وما نزال على العهد مع سليل الأشراف وتاج الدوحة العلوية الشريفة مولانا أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله وأعز أمره، وليمت كل حاقد أو ناقم على هذه البلاد الطيبة.

وللتذكير فقط لننعش الذاكرة الجرمانية ببعض المواقف البطولية التي أبان عنها المغاربة ملوكا وشعبا في تصديهم للألمان منذ سنة 1881 واعترضوا طريق السفينة الألمانية nautilus ومنعوا طاقمها من النزول بساحل سيدي أفني ثم عاودت ألمانيا الكرة سنة 1885 وأرسلت بعثة بقيادة المغامر جناش jannasch إلى سواحل بلاد وادي نُون لبناء مركز تجاري هناك، فتصدى له السلطان مولاي الحسن الأول وأمر قواده بإلقاء القبض على هذا الجاسوس،فاحتجت الحكومة الألمانية على السلطان وطلبت منه التدخل لإطلاق سراح رعيتها.

وبعد هذا الفشل اتجهت ألمانيا نحو إسبانيا وعرضت عليها إقامة شراكة مع شركتها المسماة Godefroy لاستغلال سواحل وادي الذهب، لكن المشروع باء بالفشل بسبب حزم وعزم السلطان المغربي الذي طردهم جميعا.

كما تصدى السلطان مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ لمحاولات الأخوان مانيسمان المهندسين الذين حاولا التسرب إلى الصحراء المغربية عبر بوابة جزر الكنارياس وادعائهم بأنهم يبحثون عن مناجم النحاس في سيدي أفني.

وفِي سنة 1914 عاودت ألمانيا الكرة رفقة بعض أعوانها من الأتراك وأرسلت بعثة إلى الصحراء المغربية بقيادة قنصلها السابق بفاس المدعو probster، وزودته بالمال والسلاح لكسب صداقة المقاومين أهل الصحراء لكن مشروعه باء بالفشل.

هذا فيض من غيض ولتهنئ ألمانيا بحبيبتها النظام الجزائري فكلاهما يحن لعهود الشر والمكر وكل عام والمغرب شوكة في حلق الأعداء.

التعليقات مغلقة.