في الذاكرة الجماعية بتازناخت ونواحيها أسطورة طونزل.

الحسن أعبا 

تعد الذاكرة الجماعية خزانا لثقافة الشعوب وتاريخها، بما تحمل الثقافة من عمق أنثر وبولوجي، ويحيل التاريخ على صيرورة الإنسان في الزمن والمكان، حيث تمد هذه الذاكرة الجماعية الشعوب والمجتمعات بالسلوكيات والمواقف والقيم، كما تمد الأفراد مهما اختلفت ثقافتهم وتوجهاتهم بالطاقة الضرورية للاستمرار والديمومة، ومن ثم تتخذ هذه الذاكرة أبعاداً متعددة حسب سياقات توظيفها واستغلالها، حيث يصبح البناء الثقافي أحد تجليات هذه الذاكرة ومؤشراتها القوية التي تتخذ أشكالاً وصيغاً متعددة ومختلفة حسب طبيعة الرابط الاجتماعي الذين يصل بين مكونات المجتمع الثقافية، الاجتماعية والسياسية.

وهو ما تناولته الكثير من الدراسات والأبحاث في المجتمعات المتقدمة تحديدا، لما لهذا الموضوع من أهمية إستراتيجية، وعلى رأسها كتابات موريس هالبواش، ودانيال هيرفيو ليجي وجون بول وليام، إلى اخرهيقودنا هذا البعد التأسيسي للذاكرة الجماعية العالمة إلى استحضار كتاب هالبواش “الأطر الاجتماعية للذاكرة”، حيث تم التشديد على العمل الخاص بالاندماج والتوحيد الذي تحققه كل ثقافة من خلال قدرتها على إعادة إنتاج تاريخها الذي يتوزع بين التاريخ المحلي، تاريخ الأسر والعائلات، تاريخ الحروب والمجاعات والأوبئة، تاريخ المؤسسات، والاختراعات وعموم الأحداث الكبرى المؤسسة للذاكرة الجماعية، والتي تطغى عليها معرفة الحس المشترك، التي تعد أحد مصادر السلطة السياسية لإضفاء الشرعية على ثقافتها، كلما تم تهميش المعرفة التاريخية، وهو ما يجعل هذه الثقافة تتحول إلى معتقدات سواء كانت دينية، أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية.إلخ، حيث تظل هذه الأخيرة ثاوية في اللاشعور الجمعي ما بين حدّي الحقيقة والزيف، التضليل والصدق، طالما أن هذه الذاكرة تبقى مرهونة في أساسها إلى بنيات المتخيل بتعبير جيلبير دوران. إنها بنيات لا تنفصل في العمق عن الخرافة والأسطورة والحس المشترك، بشكل يجعل توظيفها على مستوى كتابة التاريخ الرسمي يخضع لرهانات السلطة السياسية، ضمن ما يمكن أن نسميه مصادر الشرعية الإيديولوجية للسلطة الحاكمة.

فإذا كانت ديناميكية العلاقات الاجتماعية تخضع لطبيعة الرابط الاجتماعي، فإن هذا الأخير يشكل فيصلاً حاسماً لتحديد مستويات تلقي المعلومة سواء كانت إخبارية- صحفية أو تاريخية، خاصة في المجتمعات المعاصرة، لما للمعرفة العلمية من تأثير على تشذيب وغربلة المعلومة، وتفكيكها للوصول إلى أساسها الثانوي في المضمر واللامقول، وهو ما بات الإعلام السمعي البصري – في تعاليقه مع الصحافة – يقوم به، بحرفية تجعل إعادة كتابة الذاكرة الجماعية يخضع لشروط وإرغامات السلطة السياسية، التي ليست بالنهاية سوى ذاكرة ثقافية، بالتعبير الأنثروبولوجي للكلمة، كما يخضع لجرأة الصحفي والمؤرخ، على حد سواء.

2- دور المؤرخ والصحفي/ الإعلامي في كتابة تاريخ الذاكرة الجماعية

إذا كانت الذاكرة الثقافية، ذاكرة جماعية. فإن التاريخ الحقيقي للبشرية، هو تاريخ لذاكرة الإدراك، بما هو ثمار اشتغال العقل، كفكر وككتابة، من هنا يتأسس مفهوم اللوغوس التاريخي والصحفي على مدار توسط الفكر واللغة، التي تتحول عبر مشرط العقل إلى لغة اللوغوس، حيث تنتفي أو على الأقل تتوارى الأحاسيس والعواطف إلى الخلف، مفسحة المجال أمام تاريخ للاتجاهات المدركة من قبل العقل بتعبير هنري توماس بوكل، مما يجعل الذاكرة الجماعية المرتبطة بالأحاسيس والمشاعر، بكل ما يختلط في تكوينها من خرافات وأساطير، تتحول إلى ذاكرة عالمة، أساسها المعرفة بكل اشتراطاتها المنهجية والعلمية.

ولأجل ذلك يقوم المؤرخ/ الصحفي في اشتغالهما على المادة التاريخية بتصحيح مسار الحقيقة، وتنقية الشوائب، وكسر جرة النمطي، وإعادة توجيه البوصلة، بما ينسجم وجدوى التاريخ وشرعيته وقواعد حرفته، عبر إعمال الشك المنهجي الذي تصبح معه الوثائق والشهادات واللقى الأثرية مجرد أسانيد من أجل الفهم، بكل ما يجعل من أولوية الفهم أمام المنهج، طريقا لتفكيك منطق المسلمات، كيفما كانت دينية أم سياسية أم اجتماعية. وإذا كان التاريخ يتجاوز مفهوم زمنية الماضي كأحداث ووقائع جامدة، حيث تنتفي المصالح والصراعات، أو تخفت حدتها، مما يجعل قيمة الموضوعية ثاوية في عمق جمود سلطة الماضي،

أو فورانه مثلما هو حال المجتمعات العربية الإسلامية، إذ للتاريخ الديني، بما هو ذاكرة جماعية، سلطة قهرية ومحددة للراهن، باعتباره الآن وإلهنا، فإن تجاوز التاريخ لمفهوم التحقيب، بما يحيل ذلك على فلسفة التاريخ، يجعل المؤرخ وهو يتناول الراهن والحاضر على فوهة بركان الشرعية السياسية التي تحتد كلما ولجنا أعماق العجز الديمقراطي وبراثن السلطوية، خاصة حينما يتطابق منطق السلطة الدينية والدنيوية، كما هو حال في مجتمعاتنا. ولذلك، فتحليل الراهن العربي تحليلا عارفا وعالما، يقتضي إعادة فهم الماضي وإنارة تخومه وعتماته التي يصعب فصل الديني فيها عن السياسي والاقتصادي والثقافي، والداخلي عن الخارجي.

يعيد المؤرخ ترتيب الأشياء، وتصحيحها وفق رؤية تقويمية وتقييميه في الآن نفسه

تأسيساً على ما سبق، نستحضر مع المؤرخ الطيب بياض، تجارب عربية، سواء عبر السند الصحفي والإعلامي المكتوب أو السمعي البصري، مستحضرين، تجربة الصحفي المغربي محمد باهي من خلال مقاله الأسبوعي من باريس، أو الصحفي/ الإعلامي، المخضرم حمد حسنين هيكل، عبر قناة الجزيرة، في برنامج “مع هيكل”، كما نستحضر تجربة المؤرخين: الطيب بياض نفسه، حسن أوريد، سمية المغراوي، المصطفى بوعزيز، جامع بيضا، محمد ياسر الهلالي، والصحفي العربي المساري، وغيرهم كثير، ممن بصموا بمقالاتهم، تواشج العلاقة بين المؤرخ والصحفي، وبين الصحافة والتاريخ، وهي تجارب عربية، لا تنفصل عن تجارب غربية عديدة، من قبيل تجربة المؤرخ الفرنسي مارك بلوخ، ولوسيان فيفر، والصحفي فرنسوا فيري وآخرين.

ضمن هذا الأفق، يعيد المؤرخ ترتيب الأشياء، وتصحيحها وفق رؤية تقويمية وتقييمية في الآن نفسه، ولذلك، فهو يعيد قراءة الماضي لفهم الراهن، ويقرأ الراهن من خلال فهم الماضي، يحول الذاكرة الجماعية من بعدها الزمني المحض إلى بعدها الثقافي-

تحفل الميثولوجيا الأمازيغية بأساطير شعبية، لازالت راسخة في الذاكرة
الجماعية لأمازيغ المغرب الكبير، وفي  تازناخت تعتبر أسطورة .. طونزل..
من ابرز الاساطير الشعبية التي لها علاقة بالمطر.ان

شكل قدسية الماء عند الأمازيغ عموما طقسا وجدانيا وروحانيا ودينيا واجتماعيا لا محيد عنه لحدود اليوم رغم تطور العلوم الإنسانية .بحيث مازلنا نجد
قراة الكف والطالع والفنجان –المعيوش الاسطوري-وورق الرند وهو .تفكير
تنجيمي فيه من العلم والأسطورة قدره الممكن لمسايرة المعيش اليومي حسب
قناعات العقل الأمازيغي الذي يستمد تفكيره من زمن ما قبل التاريخ.أو كما
كان سائدا عند اليونان وباقي الشعوب التي اعتمدت في تعابيرها الطقوسية
الوثنية –كذب المنجمون ولو صدقوا- بحيث كانوا يتقربون للآلهات بالذبائح
والهدايا. متوسلين المطر والغيث بشكل جماعي محتفلين بآلهات الماء كما
تروي الكهنة في العهود القديمة .والمطر كألهة taslit onzar مازالت مخلدة
في المتخيل الأمازيغي كطقوس تؤثث المكان الطبيعي بالصلوات والذبائح
وتقديم القرابين للإلهات العظيمة من أناشيد وأمداح وتمجيد ها وفي مقدمتهم
أطفال وعذارى لأن حسب كاليماك الحقيقة تخرج من أفواه الأطفال المتوسلة
بمواويلها الجميلة -المعيوش الأسطوري ص-111وهو نوع من التعبد الوثني
والتذرع للخالق عبر الذبيحة والدم المسفوح بإغاثتهم بالماء كرمز للخصوبة
للطهارة للحياة . والمياه ذاتها حاملة لدلالة انثوية و أمومة الشيء الذي
ارتبط بها بعد الخصوبة . لان مجمل البشرية كانت تتقرب للقدرة الإلهية
بالطهارة وتقديم الذبائح وهي ظاهرة عامة لشعوب البحركما ورد عند اليونان
وهم يمجدون الآلهة الغيبية إسوة بالأمازيغ الذين امنوا بوجود الله قبل
الديانات السماوية . مما شكل عندهم عروس المطر أو قوس قزح فأل السنة
الفلاحية لتزداد عدد المواشي والدواجن وتتعافى من كل سوء طبيعي ويعيش
الشعب الامازيغي في رفاهية ومتعة وحياة مليئة بكل ماتشتهي الأنفس. وقدسية
الماء عند الامازيغ جاءت من تجارب قاسية مع الحياة الصحراوية بعد تراجع
المناخ ويعد الواقع عندهم هو المحك المحدد للفكر من بحيث عاشوا سنوات
الجفاف وكانوا ينتقلون بمواشيهم صوب النيل وباقي الانهار القريبة منهم
وقيمة الماء حسب هذا الإنسان إنها رغبة وضرورة جامحة وليست نزوة كهنوتية
وعقدة الماء مازالت تشكل لغزا حتى في زمننا هذا ويقال ان اصل الكون هو
الماء والنار. والكون حسب الجيولوجيين كان مستنقعا مائيا فضربه زلزال
عميق وتفرق في اليابس مما يؤكد ان اصل الكون هو الماء والمطر ماهو سوى
ثلج مذوب يستجيب لالهة الأرض. وطونزل ..أسطورة قديمة شعبية انقرضت في
أواسط السبعينات من القرن العشرين.
إنها أسطورة طونزل,التي يفترض أن يطلق عليها تين ؤنزار وليس طونزل.
لماذا,لأن الناس يطلبون المطر,والمطر بالأمازيغية هو أنزار وليس
أنزال,لكن الناس بأيت واوزكيت يستعملون مصطلح طونزل.
إن أسطورة طونزل هذه لها طقوس معينة
كيف ذلك,إن هذه الأسطورة تكون عندما يشتد القحط والجفاف الذي يصيب المنطقة.
وطونزل هذه عبارة عن عروسة من قصب,حيث تقوم جميع النساء بتزينها وتلبس
لها أجمل الملابس والحلل ثم بعد ذلك تنطلق من قرية إلى أخرى وفي موكب
بهيج وتنطلق من أيت وأغرضا يسيروا ثم امضغر ن ؤفلا وءيمضغر ن ءيزدار
وتاغدوت,أدرك,أيداود,تازناخت القصبة وأساكا ثم تافونانت
.تيسليت,لبرج,تاكنكوت,بوغرار,ءيغلس,فينت,تاكنزالت,إلى أن تصل إلى سد
المنصور بورزازات,
وهكذا تنتقل ,طونزل,من قرية إلى أخرى ومن قبيلة إلى أخرى,وبأشعار جدابة
ورائعة ومن بين هذه الأشعار الخالدة:
طونزل أتاكضيت
أوي لباس ءيكران
تاويتن ءيوامان
تاويتن ءيكولشي
نلاحظ من خلال هذه الأسطورة بأنها تتفق كليا ومبدئيا مع ذلك الطقس السائد
في الحضارات القديمة كمصر مثلا عندما يقدمون أنداك أحسن شابة إلى وادي
النيل وذلك حسب معتقدهم لكي لا يفيض,غير أن الاختلاف هنا يكمن في كون
أمازيغ أيت واوزكيت يجسدون تلك الشابة بعروسة من قصب.أما المصريون
القدماء فيقدمون إلى نهر النيل الشابة الحقيقية وبدون تجسيد.والفرق
الثاني يكمن على كون أيت واوزكيت بتازناخت الكبرى يقومون بهذا الطقس
عندما يشتد الجفاف وذلك على عكس المصريين القدماء الدين يقدمون للنيل تلك
الفتاة عندما يفيض
– الأسطورة قديمة جدا انقرضت في أواسط السبعينات من القرن الماضي,ورويت
بلسان السيدة أيت سالم فاضمة التي تناهز الآن من العمر 82 سنة
– الأسطورة سبق نشرها في جريدة تاويزا,ومجلة تيفاوت,وفي جريدة تامازيغت في سنة 1999
– لقد قمت ببحث ميداني فيما يتعلق بالأساطير الامازيغية بقبائل أيت
واوزكيت واستطعت أن أجمع أكثر من 220 أسطورة ومعظمها
منها ماهو شفوي ومنها ماهو مجسد.

اما من حيث المراجع المكتوبة هناك.

-الإنسان واقانيمه المقدسة..ليوسف هريمة

-مفهوم الزمن عند ابن خلدون ابتسام براج

-دافيد هييوم..الشعور محرك الفعل..رشيد الطاهري

التعليقات مغلقة.