فلسطين المرأة ، فلسطين القضية، إليك في ذكراك ألف تحية سيدتي فقد قهرت كل الرجال

بقلم : الإعلامي المتخصص “م-ح”

 

يحل 26 أكتوبر من كل سنة ليحمل لنا قصص معاناة و صمود  لا ينتهيان، من فصول تراجيديا مكابدة لشعب اغتصبت أرضه بمؤامرة كونية، و هجر و أبيد بصمت كوني و عربي و إسلامي ، لكن المرأة الفلسطينية بقيت شامخة في ثقل هزيمة الأنظمة متحدية الأمر المفروض بقوة الإرهاب، و موجهة إياه بعزة الشامخة المرتبطة بالأرض و العرض و خصوبة الثورة .

البارحة كنت أراجع صور هاته المرأة القاهرة للمستحيل، استوقفتني قصة أم تدافع عن قبر ابنها المهدد بالاجتثاث من مكانه، رفضت الأم الذل لابنها في ميتته ، فقررت جعل صدرها مدفعا موجها للغزاة لتمنحه الحياة، ربما الدمع كان يخفف عليها من لوعة التطبيع و الارتماء في حضن الحبيب الحالم بدول من النيل إلى الفرات ، و الإجرام الكوني قبل الصهيوني ضد الأرض و العرض، لكن الحرائر و النشامى من بنات أرضنا الفلسطينية أبين إلا أن يكن قائدات لطائرات العودة كما “دلال المغربي” .

 

هي الأم الفلسطينية إذن لن نقف حول اعتماد الحدث سنة 2019 من قبل مجلس الوزراء الفلسطيني كيوم وطني، و لكن سنقف حول عظمة الأم الفلسطينية قبل الذكرى، لأنها جسدت على الأرض بالنضال و بالشهادة علو كعب الإنسان و الحياة ، نافضة غبار الذل عن أمة وهنت فلم يعد يربطها بماضيها سوى الاسم و التاريخ و الجغرافية “كنتم خير أمة أخرجت للناس” ، بعد أن لبس الذل رجالها بين قوسين و استبيحت ما تبقى من مكارمهم و قيمهم و كينونتهم حتى .

فالمرأة الفلسطينية هي عصب الحياة و قائدة شعب بالبنوة و التبني لأنها احتضنت الآلام و انفتحت عليها بالابتسامة و زغاريد الحياة حين الشهادة منذ انطلاقة الثورة وحتى يومنا هذا ، فهي رمز للتحدي والصمود، على الرغم من كل الظروف المعيشية التي تعيشها في ظل الاحتلال وانتهاكاته من عنف، وتهجير، وتشريد، وقتل.

 

إن العلم الفلسطيني حينما يرفرف في فضاء فلسطين الأبية فبإرادة قنابل بشرية يخشاها الصهيوني قبل القنابل الحربية ، قنابل تتغدى من ثدي أمة تربي أجنتها و فلذات أكبادها على تقديس قيم الشهادة و التحدي و مقاومة قيم الموت المتنقلة التي يحملها الصهاينة و المؤامرات المتسخة الممتدة من البحر إلى النهر عبر إيمان متقد بقوة الحياة .

يوم ارتبط بأول مؤتمر نسائي فلسطيني عقد في مدينة القدس بتاريخ 26 تشرين الأول من سنة 1929م ، بحضور أكثر من 300 سيدة، و ما صدر عنه من قرارات حملت بصدق قضية وطن و انتماء ، إثر تصاعد أحداث ثورة البراق، وانتشارها في جميع أنحاء فلسطين، وقد وقع على النساء عبء كبير خلالها ، حيث استشهدت منهن تسع نساء، وهدمت بيوت، وتشردت أسر، وزج بالكثيرات منهن في السجون، إلا أنهن أبين إلا الصمود حتى الاستشهاد .

 

لقد جسدت المرأة الفلسطينية الأم و الأخت و الرفيقة و الحبيبة قضية انتماء لوطن ، و إيمان بقوة الصبر و الإرادة على قهر كل الصعاب جنبا إلى جنب مع الابن و الزوج و الحبيب و الرفيق على طريق التحرر الوطني ، مشاركة في مسيرة العطاء ، ومساهمة بشكل فاعل في تفعيل الواقع النضالي وتشكيل قاعدة النضال الوطني عبر مسيرة الكفاح التحرري الفلسطيني ، فكانت عطاء بلا حدود و ولادة متقدة ، وينبوع للانتماء الوطني الفلسطيني، بل أن المرأة الفلسطينية تعد مساهمة  في مسيرة النضال مساهمة فاعلة أساسية ، و لم تكن في يوم من الأيام مساهمة عابرة ، بل كانت وعبر سنوات النضال شامخة كجبال الكرمل وجذورها ممتدة إلى الأرض الطيبة كشجر الزيتون الأخضر، لتكون المرأة الفلسطينية الشهيدة والأسيرة والطريدة والمقاتلة حيث لحقها القهر نتيجة ممارسات الاحتلال وسياساته القمعية وممارسة عصاباته و التنكيل والتدمير في المجتمع الفلسطيني الذي ألحق الأذى الأكبر بالمرأة و بالمجتمع الفلسطيني، ولكن كانت المرأة معاناتها مضاعفة ومتنوعة ومتعددة الأشكال، إذ تقع عليها كافة عوامل الضغط نتيجة ممارسات الاحتلال وفي كل الظروف كانت حياتها حياة غير طبيعية وصعبة .

لتجسد المرأة الفلسطينية باقتدار كما فعلت “دلال المغربي” ذات يوم تطلعات جماهير الشعب الفلسطيني و لتلعب دورا مهما ومحوريا في مسار الثورة باعتبارها كرمز للتحدي والصمود، على الرغم من الظروف المعيشية التي تعيشها في ظل الاحتلال وانتهاكاته من عنف، وتهجير، وتشريد، وقتل  .

 

فهي المرأة صانعة الرجال، صانعة الثورة والكفاح الوطني، رغم استهدافها منذ انطلاق انتفاضة الأقصى الأولى قبل حوالي ثلاث سنوات ونصف، بالرصاص والقذائف والقمع لكنها آثرت أن تكون الشهيدة والأسيرة والأرملة والفقيرة والعاملة.

واقع تؤكده الإحصائيات الميدانية و التي تفيد ، حسب أحدث إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، بأن 205 فلسطينيات استشهدن برصاص الاحتلال الإسرائيلي وقذائفه منذ اندلاع الانتفاضة وحتى الآن، في حين شهدت الحواجز الإسرائيلية أكثر من 55 حالة ولادة توفي خلالها 33 جنينا...

 

أما الإحصاءات الواردة من نادي الأسير الفلسطيني فتشير إلى وجود  81 امرأة فلسطينية رهن الاعتقال ، بينهن أمهات وقاصرات ومريضات، في ظروف قاسية ومخالفة للحد الأدنى المطلوب من المعايير الإنسانية والشروط الصحية الدنيا، و هو ما أكده رئيس نادي الأسير الفلسطيني “عيسى قراقع” في إشارته إلى وضع الأسيرتين “ميرفت طه” و “منال غانم” و ما  تعيشانه مع طفليهما الصغيرين تحت وطأة الاحتلال ، بعد أن أنجبتاهما داخل المعتقل، ضمن إجراءات تعسفية ، و نفس الشيء سارت عليه مؤسسة الضمير الحقوقية التي قالت إن “العام الأخير تميز بحملة تصعيد مبرمجة ومكثفة ضد الأسيرات، وجملة من العقوبات الجماعية، بعد أن جرى رشهن بالغاز المسيل للدموع والسام أكثر من مرة، وضربهن، وفرض العزل الذي يصل أحيانا إلى شهر بحق الكثير منهن” .

و هي الوقائع التي أكدتها وزارة الصحة الفلسطينية و التي عبرت عن قلقها لما يجري للمرأة الفلسطينية ويهدد صحتها وحياتها خاصة مع انخفاض برامج الرعاية الأولية وبرامج الأطفال والتطعيمات، مناشدة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان والمفوض العام لحقوق الإنسان التدخل وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني خاصة للمرأة.

 

إلا أن “شجرة ذر الحياة”، و على الرغم من كل ذلك، تأبى الاستسلام و رفع راية الذل أو الخيانة أو الانبطاح و هو ما تلمسته البارحة من تشبت أم بأرض قبر لا تجسد إلا صورة مصغرة لفلسطين الهوية و القضية و الانتماء و العرض و الجسد و الحب و العشق اللانهائي حتى تحرير كل بقعة من أرض فلسطين في إطار دولة وطنية ديمقراطية تحتضن التعايش داخلها ، تأوي الجميع و تخدم مصلحة بلا عنصرية و لا تهويد .

التعليقات مغلقة.