تعجرف الرقابة……والفوز بحرية التعبير !!

مراكش: السعيد الزوزي

 

في خضم نقاش يزداد تشويشا، يجب أن نتذكر أن الضعفاء هم الذين غالبا ما يتم إسكاتهم تاريخيا، إذا كان النشطاء الكبار من أجل حرية التعبير في الماضي،  مثل “باروخ سبينوزا” أو “ماري ولستونكرافت” او “فريدريك دوغلاس”، على قيد الحياة اليوم، “فقد اعلنوا بالتأكيد أن القرن الحادي والعشرين هو عصر ذهبي غير مسبوق”، هكذا يقترح “جاكوب مشانجاما” في تأريخه الجديد لحرية التعبير، إنه ادعاء قد يثير بعض الدهشة.

 

هذا بعد كل شيء، هو عصر، من الصين إلى المملكة العربية السعودية، حيث يسجن الحكام الديكتاتوريون ويقتلون المعارضين السياسيين دون عقاب، عصر تستخدم فيه الحكومات في الدول الديمقراطية رسميا مثل الهند النظام القضائي لمحاولة إسكات المنتقدين، عصر قتل فيه أكثر من ألف وأربعمائة “صحفي” خلال 30 عاما، عصر تبحث فيه الحكومات في جميع أنحاء العالم بشكل يائس عن طرق للحد من الكلام على وسائل التواصل الإجتماعي التي تعتبرها خطيرة. وفيه، في الغرب، هناك نقاش مستمر حول “إلغاء الثقافة”.

 

وتآكل الحرية الأكاديمية، وهو من أبرز المدافعين عن حرية التعبير، أن يستبعد حقيقة الرقابة المعاصرة، إنه يقترح بالأحرى، أنه من الناحية التاريخية، لم نكن أبدأ اكثر حرية في التعبير عن أذهاننا، لكن هذا يؤدي إلى مفارقة. حقيقة أننا، في الغرب بالتأكيد، نعيش في مجتمعات أكثر انفتاحا دفعت الكثيرين إلى التفاؤل و رفض التهديد الذي يمكن أن تفرضه علينا القيود المفروضة على الكلام.

 

إن نجاح النضالات التاريخية يمكن أن تحجب دروس تلك النضالات، تاريخيا كانت المطالبة بحرية التعبير في قلب الكفاح من أجل العدالة الإجتماعية. من التحدي الذي يمثله المفكرون الأحرار في إسلام القرن العاشر إلى النضال من أجل إلغاء الرق في أمريكا في القرن التاسع عشر، ومن حركة حق الإقتراع إلى حملات التحرر من الحكم الاستعماري، كان هناك منذ فترة طويلة اعتراف بأن الديمقراطية والعدالة الإجتماعية و حرية التعبير تسير جنبا إلى جنب، وتلك الرقابة سلاح يستخدمه الاقوياء لعرقلة التغيير الاجتماعي.

 

اليوم، رغم ذلك، تبدو القضايا أكثر ارباكا. تفرض الكثير من الرقابة، لا سيما في الديمقراطيات الليبرالية، باسم حماية ليس الاقوياء ولكن الضعفاء.

 

قوانين ضد خطاب الكراهية، على سبيل المثال، أو تقييد نطاق العنصريين أو المتعصبين، وحيث كان اليسار يعارض الرقابة بوضوح في السابق، يؤيد الكثيرون الآن القيود باسم الصالح التقدمي، مع إخلاء اليسار لأرض حرية التعبير، أصبح اليمين و أقصى اليمين محصورين عليها. وقد أدى هذا إلى تشويه الجدل بشكل أكبر، حيث أصبح ينظر إلى قضية حرية التعبير على أنها ملكية لليمين، مما جعل الكثيرين في اليسار أكثر حذراً من الفكرة.

 

يمكننا ان نرى من السجل التاريخي أن محاولة مكافحة الكراهية من خلال الرقابة يمكن أن تكون غير فعالة وخطيرة، ومع ذلك، فإن إحدى المفارقات هي أن العديد من الحجج المستخدمة اليوم للدفاع عن قيود الكلام كحماية للضعفاء، غالبا ماتكون مماثلة لتلك التي استخدمها الاقوياء في السابق لحماية مصالحهم من التحدي.

 

عندما قتل “ايليا لوفجوي”،محرر الصحيفة الأمريكية المؤيدة لالغاء عقوبة الإعدام، في عام 1837 على يد حشد مؤيد للعبودية في الينوي، القت صحيفة جنوبية باللوم عليه في وفاته، لأنه”تجاهل تماماً مشاعر الغالبية العظمى من الناس في ذلك المكان”.

 

بعد قرن ونصف، سمعنا نفس الحجج في الدعوات لحظر “آيات شيطانية”، أو في الادعاءات بأن رسامي كاريكاتير “شارلي ابدو”، كانوا مسؤولين عن موتهم، لأنهم أيضا “تجاهلوا مشاعر” العديد من المسلمين، ” خطاب الكراهية”.

 

يمكننا أن نرى ايضا من السجل التاريخي أنه في حين أنه من الضروري الحد من التحريض على العنف بشكل قانوني، فان محاولة مكافحة الكراهية على نطاق أوسع من خلال الرقابة يمكن أن تكون غير فعالة و خطيرة.

 

واحدة من أعمق المعتقدات حول مخاطر حرية التعبير هي أسطورة “فايمار”: الاعتقاد بأن حرية التعبير غير مقيدة سمحت للنازيين بنشر أفكارهم السامة في ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي، وإن القيود المفروضة على الكلام وقمع الدعاية المعادية للسامية قد توقفت في الواقع مع “صعود هتلر”.

 

بينما كانت جمهورية “فايمار” داعمة دستوريا لحرية التعبير، إلا أنها تمتلك ما نسميه الآن قوانين خطاب الكراهية وصلاحيات إغلاق الصحف، تمت محاكمة مئات النازيين بموجب هذه القوانين، بين عامي 1923 و 1933.

 

غالبا ما ننسى أيضا أن ضحايا الرقابة هم في أغلب الأحيان من الأقليات و أولئك الذين يناضلون من أجل التغيير الاجتماعي، من نشطاء تغير المناخ الهنود المتهمين ب “تعزيز العداء بين المجتمعات”.

 

نحن ورثة قرون من النضال ضد القيود المفروضة على ما نستطيع قوله، اذا نسينا دروس تلك النضالات، فإننا أيضا في خطر ترك مكاسب تلك النضالات تفلت من ايدينا.              

التعليقات مغلقة.