من لم يستطع أن يحافظ على أيقونة لا يمكنه بالمطلق المحافظة على أسس دولة

محمد حميمداني

بعد طول انتظار بأمل لقاء الطفل “ريان” خرج من تحت أنقاض الإهمال و التقصير، ليوارى الثرى، معريا كل الحقائق المدسوسة في بحر خيباتنا، الممتد من الصبح إلى الصبح.

رحل “ريان” بعد أن أدمى القلوب، وبحت الحناجر من الدعاء بالحفظ، لكنه أبى أن يعانق ألوان الزيف المختلطة بمهد الولادة والحياة التي تعطل بقرارات الرتابة و انحسار قيم المحبة فينا.

نبكي الميت بعد وفاته ونوؤده في حياته ونتركه عرضة للضياع و التشرد و الإهمال القسري المفروض بقوة التخلف و السيطرة والقتل المتحرك فينا ليل نهار.

لمن نشكي عقمنا الذي امتد لأيام وجمع العالم للاطلاع على ألام الطفولة التي بهرت الكون، و لكن أكثر ليكون شاهدا على خيباتنا المتحركة، والتي لا تجملها صور الطائرات المروحية ولا سيارات الإسعاف المركونة، لأن الحقائق أعمق من أن توصف، والقتل ليس بالضرورة أن يكون ماديا بالسيف، و لكن بالإهمال و التهميش و غياب كل مقومات البسمة أيضا.

رحل “ريان” و قد حمل على مدى خمسة أيام عرش سطوته على الأنفاس وهو يقهقه على خواء مسار من حزم الإعلانات والإشهارات و “البوز” على جراح الضحايا وآلام الثكالى، ليعري بموته سقوط كل القيم التي لم تحترم قدسية اللحظة وكينونة المكان المغلف بأشلاء “ريان” على عمق عدة أمتار تحت الأرض، وكأنه فضل أن يختبئ ولا يرى سقوط المتخيل و عهر السائد، فينا المهووس بالتقاط الآلام و تحويلها إلى إثاوات و أعطيات تثقل الحسابات، ولا تراعي قيد أنملة من جراحنا المستمرة.

تقرأ التعليقات، يحار المرء في الإجابة، خمسة أيام لم تستطيعوا إنقاد الطفولة، نسمع عن استراتيجيات و كأننا نعد لمعركة مع عدو له من كل أسباب البأس ما يتطلب الاحتياط و الاختباء و المناورة، لنترك لحما هزيلا يموت من الجوع و العطش والخوف.

خمسة أيام كانت كافية لتلهب ضمير العالم إلا ضميرنا الذي اختبأ ولم يحرك القرار، فأولو الأمر فينا من سدنة الحكومة صاموا عن الرحيل كما الكلام ، ليخرج فقيهنا فيذكرنا بالمروحية و سيارة الإسعاف وهلم تخديرا، بلا خجل ولا حياء، نرسم الخواء باسم العدالة و نستنشق عمق الإخفاق والموت القادم عبر أدرب ملتوية قد تصطادنا في أية لحظة، فنعلن حينها استسلامنا لقضاءها وقدرها غير معولين على سلط الجزاء فينا، لا حكومة ولا برلمان، كل يعيش ليلة الثرف في ملاهيه الخاصة و يترك “ريان” لقدره بين أربعة حيطان من بئر ضيق بلا هواء ، شاهدا على خواء شعاراتنا وهزل ادعاءاتنا، وليعلن بموته تعرية العفونة في جسدنا المؤسساتي المتسخ بكل الأوساخ، وليعلمنا أن المدخل للحياة هو قتل قيم الموت التي تحتوينا، و أن نصمت أمام عظمة قوتها وهما وتملقا، لكنها في النهاية حقيقة من ورق عراها “ريان” حينما هز العالم، وعزل تلك الدمى التي عاشت أتعس لحظاتها، لأنه بلغ رسالة بسيطة من لم يستطع أن يحافظ على أيقونة لا يمكنه بالمطلق المحافظة على أسس دولة.

https://twitter.com/Dima_Khatib/status/1490080396171698178

التعليقات مغلقة.