الجامعة المغربية و تضحيات الأساتذة الباحثين

بقلم الأستاذ الجامعي محمد أموش

الجامعة او الحرم الجامعي مساحة جغرافية مخصصة للعلم والبحث العلمي، تحظى بشرف القداسة التي تستمدها من قداسة العلم والمعرفة والفكر. و تتمتع بخصوصية في تعاملها مع كل ما هو رسمي تقديرا لطبيعة الجامعة الأكاديمية.

وهي الداعمة لمنظومة القيم التربوية والثقافية الايجابية والتي تشكل عماد المجتمع الانساني وتميزه عن المجتمع الحيواني الذي لا تحركه الا الغرائز.

ويتكون هذا الفضاء من الاساتذة الجامعيين و الطلبة، كمعنيين بتلقين و تلقي المعرفة و إنتاج البحث العلمي و الموظفين الساهرين على توفير الشروط اللازمة للتحصيل و البحث العلميين.

غير أن  الجامعة المغربية شهدت في السنين الأخيرة ازمة عميقة،  سببتها عوامل ذاتية تتمثل في تراجع دور الحركة الطلابية، ضعف نضالية النقابة الوطنية للتعليم العالي وغياب هيئة منظمة بقانون تخص الأساتذة الباحثين تعنى بحماية المهنة.

و أخرى موضوعية، تتمثل ايديولوجيا في تخوف الدولة من إنتاج فكر أكاديمي نقيض و إقتصاديا في اعتبار التعليم العالي العمومي قطاع غير منتج والتعامل معه بمنطق الربح والخسارة و سياسيا في تتالي الاصلاحات التقنية المرتبطة بالمقاربات المالية للحكومات المتعاقبة.  

* اصلاح 19 فبراير 1997 في شأن النظام الأساسي الخاص  بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي والذي أحدث اختلالات عديدة مازال الاساتذة يعانون ويلاتها، فقد سبب مع تتالي السنين في انحباس المسار المهني للعديد من الاساتذة كما زج بالعديد من الدكاترة الباحثين في الإدارات العمومية بعد ان ألغى الحق في ولوج مهنة أستاذ باحث بالنسبة لحملة دبلوم الدراسات العليا.

* اصلاح  2000 بمثابة إطار منظم للتعليم العالي، حيث أصبحت الجامعة بموجب القانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي( 19 ماي 2000),  خاضعة لتدبير جماعي عبر مجلس الجامعة مع تمتيعها بالاستقلالية البيداغوجية.

 كما نص على كيفية تعيين رؤساء الجامعات ومؤسسات التعليم العالي. غير أن العمل بهذا القانون لمدة تزيد عن 20 سنة أدى الى نتائج عكسية نذكر من بينها:

– العمل بمجلس غير مكتمل المكونات، حيث لا يحضره في جل الجامعات رئيس مجلس الجهة و رئيس المجلس الإقليمي بصفتهم أعضاء بحكم القانون مما يسبب في غياب الالتقائية في مشاريع الجامعات.

– حلول ندوة رؤساء الجامعات محل المجالس المنتخبة والتقرير في القضايا التي تهم الجامعة، خاصة مع الوزير السابق في الحكومة المنتهية ولايتها.

– التنصيص على استقلالية الجامعات في غياب ميزانية سنوية والاكتفاء بالإعانات وغياب نظام محاسباتي يسهل صرف التراخيص في الميزانية.

– عدم اعتماد الجدارة في مسطرة تعيينات رؤساء المؤسسات الجامعية إذ غالبا ما تكون لجنة لمرشح معروف سلفا وبتزكية حزبية. مما خلق جيل من رؤساء المؤسسات يدبرون بمنطق ” وكم حاجة قضيناها بتركها” و لا تربطهم بالمؤسسة سوى التعويضات.

* إصلاح 2009 الخاص بأجرأة بعض توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين والانخراط في البرنامج الاستعجالي والذي ترك وراءه عجز كبير في ميزانية بعض الجامعات بسبب انسحاب المؤسسات المالية من هذا البرنامج. ومازالت الدولة تتلكأ في افتحاص هذا البرنامج واخراج نتائجه للعلن.

* اصلاح 2014 الخاص بتقييم مسلك الاجازة واحداث مسالك الجيل الرابع وهي المعمول بها حاليا. وقد اتسم هذا الإصلاح بنوع من التساهل في تقييم المعارف. وذلك باعتماد التعويض والاستدراك الاستثنائي. هذه الإجراءات انحرفت بشكل جعل النقطة تحل محل الجودة. 

كما جعل الطلبة يلجون الكلية في انتظار الحسم في قرار متابعة الدراسة في ظل غياب المراقبة المستمرة وغياب أي حد أدنى للنقطة المحصل عليها للتقدم للدورة الاستدراكية.

* اعطاء الانطلاقة لنظام الباشلور ببعض الجامعات في عهد الوزير السابق، دون تقييم للإصلاح السالف الذكر. غير أن الوزير الحالي أحال هذا الإصلاح على المجلس الأعلى للتعليم، حيث اعترض على رفع سنوات الدراسة في الاجازة الى اربع سنوات. 

من خلال هذا التشخيص يتضح ان السياسات المتبعة من طرف الدولة أدت الى تعميق ازمة التعليم بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص فاسحا المجال للتعليم العالي الخاص في إطار الشراكة عام-خاص.

فرغم استفحال الأزمة و كون :

– الميزانية المخصصة للبحث العلمي وهي 8% من الناتج الداخلي الخام، ضعيفة جدا بقياس المعايير الدولية و المحددة في 2%؛

–  أجور هيئة الأساتذة الباحثين مجمدة منذ أزيد من 20 سنة؛

 يستمر أساتذة التعليم العالي في التدريس داخل قاعات ومدرجات مكتظة بالطلبة كما يزاولون مهام البحث العلمي داخل مختبرات تنعدم فيها ابسط شروط الصحة و السلامة للمساهمة في الإنتاج العلمي على المستوى الوطني والعالمي كما يتضح هذا من خلال تصفح قاعدة بيانات المجلات العلمية العالمية، حيث تم نشر 11 الف و 600 مقال برسم سنة 2020.

كما يساهمون في تأطير طلبة الاجازة وسلك الماستر حبا في العلم والمعرفة وتقديسا له ليس الا.

فما الذي جعل البعض يدشن حملة ممنهجة في الصحافة المرئية والمكتوبة ومواقع التواصل الاجتماعي لتبخيس صورة الأستاذ الجامعي والتشهير بالجامعة، قياسا على حالات استثنائية مدانة سلفا ؟

وكيف لرؤساء الجامعات ان يعينوا موظفين ويحدثوا رقما اخضر لتلقي الشكايات بخصوص الأساتذة ضدا على جميع التشريعات و القوانين المنظمة للجامعة ؟

 أليس حريا بالدولة البحث عن مداخل لإصلاح التعليم العالي بدل العمل على وأد الجامعة العمومية و القضاء على الحرم الجامعي؟. 

التعليقات مغلقة.