المشردون قنبلة موقوتة وظاهرة مخزية تتطلب المحاصرة

خولاني عبد القادر

ظاهرة تغزو الشارع المغربي في السنين الأخيرة، تتمثل في نزوح كبير لأفواج من المواطنين الراغبين في البحث عن حياة أفضل..، مع ما يترتب عن ذلك من انعكاسات وظواهر خطيرة ومؤلمة تقشعر لها القلوب والأبدان، حيث الجرائم من إفرازاتها، كما أبشع صور الاغتصاب والارتماء في أحضان المخدرات، وتكون النزعة العدوانية اتجاه الآخر خلاصتها السيكولوجية، مع ما يستتبع كل ذلك من تنظيم عمليات السلب والسطو الذي يصل حد تهديد السلامة البشرية للمواطنين كإفراز طبعي لواقع مريض.

 

وبالرجوع إلى الأسباب الحقيقية لهذه الظواهر المسيئة لمجتمعنا و ديننا الحنيف، نجد أنها مرتبطة أساسا بظاهرة اجتماعية مخزية، و هي في الأصل المغذية لظاهرة الإجرام، والتي تتمثل في عملية  التخلي عن الأطفال و الأمهات و الآباء  ليصبحوا عرضة للتشرد والضياع دون رأفة أو شفقة.

 

وفي هذا السياق نورد على سبيل المثال لا الحصر ما وقع للشاب (ي،ج)، البالغ من العمر 23 سنة، والذي يستنجد  بالمغاربة، ولقد اتقت به جريدة “أصوات” بمدينة “مرتيل”، عمالة المضيق الفنيدق، وقد كان يقيم بقرية الأطفال (الخيرية) المتواجدة بدوار الفقرة أولاد عزوز النواصر البيضاء، وقد غادرها مجبرا طبقا للقانون المعمول به داخل الخيريات المغربية، كغيره من الشابات و الشباب الذين غادروا مقرات دور الإقامة إلى وجهة مجهولة، و هم في سن 18 سنة.

 

انتقال نقلهم إلى عوالم غريبة واسعة وغير رحيمة، دون سند أو مكان يأويهم أو عائلة تحتضنهم، هذا الشاب الذي فرض عليه اسم ونسب، حاصل على البطاقة الوطنية، والتي ستكون آخر بطاقة يمكنه تسلمها بحكم عدم توفره على شهادة للسكنى كغيره من الشباب الذين عاشوا داخل هذه الإقامات بفعل تنكر الخيريات لهم، بسبب المغادرة، و إلزام مصلحة البطاقة الوطنية الراغبين في الحصول عليها بضرورة التوفر على شهادة السكنى.

 

وضع ينقلهم إلى العالم المتخيل المحاط بكل قيم الظلم الفردي والمؤسساتي والفراغ القانوني الذي يعني المطاردة و مما يصبحون في وضعية غير قانونية في بلدهم و عالة على المجتمع ….مفارقة غريبة والبحث عن الأوكار المظلمة وكأنهم غرباء عن وطنهم، ينتقلون قصرا من مدينة إلى أخرى و من مكان إلى آخر، و ضمنهم فتيات يتعرضن لأبشع صور الإهانة، يتحركون بين أزقة و أدرب وشوارع المدن  فرادى أو جماعات، ومنهم من يسقط في الممنوع ويصبح إما ضحية أو مجرم يهدد سلامة و أمن المواطنين، أو تستقطبه الشبكات الإجرامية المنظمة، فيصبح بذلك حاملا لكل أعراض الرفض والانتقام من المجتمع الذي حاصره في متاهة الظلم والضياع وفرض عليه قانون التغييب، وبالتالي سيكون الرد من جهته هو الانتقام من كل هاته الصور السوداوية المهينة و الحاطة بالكرامة الآدمية.

 

من يتحمل المسؤولية إذن؟، المشرد نفسه؟ علما أنه الضحية فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نحاسبه، قد نضعه في السجن، ولكن الحقيقة هي أن المسؤولية يتحملها المجتمع والمؤسسات الظالمة معا، والقائمون على تذبير الشأن العام.

 

فهذا الشاب انتقل لتطوان من أجل العمل، عبر وسيط للاشتغال في مجال “الكيف” بنواحي “باب برد” بجهة طنجة تطوان، تم التغرير به كغيره من الشباب العاطل الذي يطمح إلى كسب المال للعيش بأي طريقة كانت، ليلقى نفسه وحيدا في مدينة لا يعرف عنها أي شيء، مما جعله يطلب العون والمساعدة من خلال سرد حكايته، الحالة التي أصبحت عادية في مجتمعنا المغربي، والمتمثلة في اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي لطرح قضاياهم على المباشر …

 

الأمثلة كثيرة والأعداد في ازدياد يومي في ظل غياب الحماية وتخلي مراكز الإيواء عنهم والقذف بهم للشارع، فضلا عن غياب أية استراتيجية رسمية للتعامل مع هاته الظواهر الاجتماعية.

 

الدراسات والإحصائيات المعروضة تشير إلى أن نسبة عالية من المتخلى عنهم في الشوارع هم من الأطفال واليتامى والقاصرين والمسنين، وحتى النساء، مع ما يصاحب كل ذلك من انتشار للمخدرات في صفوفهم، ودخولهم بالتالي في صراع ضد المجتمع الذي نبذهم، أو تحولهم للتسول، أو الدعارة، وخاتمة الأمر الإجرام.

التعليقات مغلقة.