الموقف التونسي بين لغة الحياد التاريخية والبراغماتية “القيسية” والنخب السياسية تعتبر الخطوة غباء وتهورا وتضحية بتونس

جريدة أصوات

حمل الموقف التونسي المفاجئ ورئيسه “قيس سعيد” عدة رسائل لا من جهة الحدث المرتبط بلقاء إفريقي ياباني، ولا من جهة التوقيت في ظل تصاعد الاعتراف العالمي بواقعية التصور المغربي لحل مشكلة الصحراء المفتعلة، وسقوط المشروع الجزائري دوليا، وطرح عدة أسئلة عن الدوافع وراء هذا القرار الذي وصفه الأصدقاء التونسيون ب “المتهور” الذي أقدمت عليه الرئاسة التونسية.

الأكيد أن تونس هي من صعد الأوضاع في اللحظة التي كان ينتظر فيها من هاته الدولة المغاربية أن تلعب دور الوسيط المحايد في النزاع، لكنها أقحمت نفسها في متاهات بشكل دنيء وغير مفهوم.

والأكيد من الناحية السيادية أن يرد المغرب بقرارات صارمة دفاعا عن وحدته الترابية وعن سيادته واستقلاله وخياراته السياسية ليس أقلها استدعاء السفير المغربي لدى تونس ومقاطعة أشغال القمة.

موقف تصاعد بإعلان تونس استدعاء سفيرها في الرباط من اجل التشاور، وليس غريبا أن يتم اتخاذ هذا الموقف بناء على معطيات عدة تبرز سقوطها في أحضان البراغماتية السياسية في محاولة للحصول على كرم جزائري مقابل دعم سياسي لصنيعتها، والذي يزكيه البلاغ المحتشم الصادر عن تونس والذي اعتبر الاستدعاء صادر عن منظمة الاتحاد الإفريقي، وتناسى أنه وحتى وإن قبلنا بالتصور، فما معنى الاستقبال الرسمي الذي خصص لزعيم جبهة “البوليساريو” والذي لا يؤكد إلا وقائع السقوط الذي سقط في أحضانه “قيس سعيد” وهو الذي انقلب على الدستور وقوى من سلطاته الدكتاتورية في بلد “البوعزيزي”.

إن هذا الخروج التونسي عن الحياد في النزاع، وعلى الرغم من محاولة الرآسة التونسية التراجع عنه خطوة إلى الوراء، عبر إعلانها في البيان الرسمي أن “الرئيس قيس سعيّد استقبل، الجمعة، بالمطار الرئاسي، السيد إبراهيم غالي” من دون إسناد أي صفة رسمية له، على عكس كل الاستقبالات الأخرى التي جرت لعدد من الرؤساء والمسؤولين، المذكورين بصفاتهم الكاملة.

لكن بعد هاته اللهجة الدبلوماسية عادت تونس وبدافع من أطراف إقليمية وعالمية لها مصالح مباشرة في ضرب المغرب لتصعيد لهجة الخطاب عبر بيان وصفت فيه التصريحات المغربية بأنها “تحامل غير مسبوق”، قبل أن تقرر استدعاء سفيرها في الرباط؛ ليصل الوضع إلى القطيعة الدبلوماسية، علما أن الموقف المغربي اعتبر الخطوة التونسية “موقفاً معادياً لعلاقات الأخوّة التي جمعت دائماً البلدين”.

المشهد طغى على النخب السياسية والإعلامية والمختصين في تونس والذين تساءلوا عن مبررات هذه الخطوة المفاجئة التي اتخذها الرئيس، وقطعه مع سنوات طويلة من الحياد في هذا الملف، ومع التقاليد الدبلوماسية العريقة لتونس والقائمة على الحفاظ على العلاقات مع الأشقاء العرب دون الانحياز لأي طرف.

علما أنه سبق للمستشار لدى رئيس الجمهورية، وليد الحجام، أن قال يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021، “إنّ تونس تتمسك بعلاقاتها الأخوية والتاريخية المتميزة مع كلّ الدول المغاربية، كما تتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي في تعاطيها مع ملف الصحراء”، مجددا مواقف تونس التاريخية والمتمثلة في حرص “تونس على تغليب لغة الحوار للتوصل إلى حل سياسي مقبول لهذا الملف، يُعزّز الاستقرار في المنطقة، ويفتح آفاقاً واعدة لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي”.

الموقف الجديد للرآسة التونسية اعتبره المختصون سقوطا في سياسة المحاور، عكس السياسة التونسية المعروفة تاريخيا بحرصها على موقف الحياد، خاصة مع الأشقاء العرب، واعتبرت ذات المصادر ما صدر “تهورا” وليس شجاعة سياسية، لأنه لم يراع بالمطلق المصالح الداخلية والخارجية لتونس، حيث أثر هذا الموقف على العلاقات بين تونس والمغرب والتي ستضرر نتيجة هذا القرار، وأنها ستدفع ثمنه بالتأكيد.

الرئيس التونسي وزعيم "البوليساريو" (فيسبوك)

واعتبر العديد من المهتمين بالشأن التونسي أن الدبلوماسية في هذا البلد بدأت تفقد كثيراً من ركائزها التي مضى عليها أكثر من 50 عاماً، وهو نفس السقوط الذي وقعت فيه في علاقاتها مع ليبيا أيضا.

المختصون اعتبروا أن محاولات السلطات التونسية تعويم الاستقبال على أنه دعوة من الاتحاد الأفريقي، وهو أمر مضحك، لا يمكن أن يقنع أحدا، وهو ما حمله البيان المغربي الذي اعتبر الخطوة “مبادرة تونسية فردية ولا علاقة لها بموقف الاتحاد الأفريقي”.

واعتبرت ذات المصادر أن المغرب لم يخطئ حينما اعتبر الموقف “عدائيا” وفي أكثر من مناسبة، ولم يكن الحضور أيضا دعوة يابانية، بل هو خيار تونسي، خاصة وأن الحضور مثل بوفد ضم إلى جانب “غالي” سفيران وعدد من “المسؤولين”.

الشارع السياسي التونسي انتقد الخطوة حيث علّق رئيس “حزب المجد”، عبد الوهاب الهاني، على صفحته في “فيسبوك”، على هذا التطور قائلا إن “استقبال رئيس الجمهورية لزعيم جبهة بوليساريو انحراف خطير وحياد غير مسبوق عن ثوابت الديبلوماسية التونسية وغباء دبلوماسي لوزير التدابير الاستثناىية للشؤون الخارجية (عثمان الجرندي) وانتحار سياسي للرئيس قيس سعيّد سيعرّض المصالح العليا لتونس ومصداقيتها بين الدول لصعوبات كبيرة”.

كما قال عضو تنفيذية “مواطنون ضد الانقلاب”، جوهر بن مبارك، من خلال تدوينة عبر الفيسبوك”وصلنا إلى مرحلة التلاعب الغشيم بالتوازنات الإقليمية والزج بتونس في لهيب الصراعات وتهديد ما بقي من استقرار البلاد”، مضيفا “هدم الكفاءة الشاهق في قراءة المشهد الجيوستراتيجي وإدارة السياسة الخارجية من جهة وسعي الانقلاب للعب على التناقضات في المنطقة وتوجّهه لاسترضاء جهات واستعداء جهات أخرى فقط من أجل استجداء الرضا والدعم لمشروعه الداخلي السلطوي الفوضوي من جهة أخرى، ستجلب لتونس مزيداً من المصاعب وسيدفع الشعب مرّة أخرى فاتورة عبث المنظومة الحاكمة باستقراره وبمصالحه الوطنية العليا من أجل تحقيق مصلحتها الشخصية في التسلّط ووضع اليد على البلاد وفتح الطريق أمام مجاميع الموالاة المتكالبة على السلطة للسطو على مقدّرات الشعب دون مشاغبة”.

التعليقات مغلقة.