لعبة المكر والخداع في علاقات فرنسا والجزائر  

كيف دوخت المخابرات الفرنسية نظام الكابرانات وهربت الناشطة والصحافية من بين ظفراني تونس والجزائر معا

أصوات: القسم السياسي

 مشهد هوليودي يذكر بالأفلام البوليسية وقصص البطولات الاستخباراتية المتقنة بحبكة ممثلين، لكن هاته الوقائع كلها عاشت تفاصيلها الأراضي التونسية، حيث كانت تونس تهيء لتسليم القطة “الناشطة والصحافية الجزائرية المعارضة أميرة بوراوي” للذب العسكري في الجزائر، لكن الثعلب الماكر دخل على الخط وطار بالطريدة ولم يدر الذئب كيف فرت من بين يديه، وتاه الذب التونسي ولم يجد من مخرج سوى البحث عن كبش فداء اسمه وزير الخارجية التونسي ليقيله الرئيس التونسي، الشيح قيس سعيد من مهامه، عملية أرخت بظلالها على علاقات كابرانات الجزائر بفرنسا، والقطة الوديعة “بوراوي” في باريس سالمة غانمة، والذئب الجزائري الهرم يزبد ويرغي ويجمع متاع سفيره في باريس لكي لا يشاهد الإهانة والصفعة التي وجهتها المخابرات الفرنسية للذئب الشائخ الجزائري ونظيره الذب الهرم في تونس.

 

طارت الطريدة وبدأ الذئب الجزائري والذب التونسي يشحذان سيفا من خشب، الشيخ التونسي وجد حصان طروادة فأفرغ حكومته من وزير العلاقات الخارجية، والهرم الجزائري استدعى سفيره في باريس من أجل “التشاور” والإعلام المخدوم والخادم لعسكر الجزائر يشن هجوما على باريس، ويعتبرها ارتكبت خطأ سيذهب بالعلاقات الفرنسية الجزائرية.  

 

العمل الاستخباراتي كان مدروسا وبحرفية كبيرة شاركت فيها “المديرية العامة للأمن الخارجي” بالتنسيق مع ضباط تابعين لها في الجزائر وتونس، وتمكنت من “تدويخ” مصالح الأمن والمخابرات في الجزائر وتهريب الناشطة الحقوقية الجزائرية “أميرة بوراوي” إلى فرنسا عبر تونس في وقت كان جهاز الاستخبارات الجزائري، الذي كان ينتظر الترحيل إلى الجزائر، يغط في نوم عميق، لتعلن الصفعة عن مدى هشاشة جهاز الاستخبارات الجزائرية التي كانت تراقب “بوراوي” 24 ساعة على 24 ساعة لتجد في النهاية الخواء ولتطل الناشطة والإعلامية على قصر “المرادية” من شرفة باريس، وتقول للأجهزة الجزائرية تصبحون على خير فأنا هنا أحادثكم من قلب مطار “ليون سانت اكسوبيري”.

 

الخطة أنجزت بإثقان وحرفية كبيرة وساهمت فيها الناشطة الجزائرية، أميرة بوراوي، مع ضباط تابعين للمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، في التهييء للمفاجأة الصفعة لتطير في غفلة من المراقبين الجزائريين إلى ليون وتفر من متابعة ومحاكمات صورية كانت تكلفتها ستساوي على أقل تقدير سنتين سجنا بـتهم مفبركة تتعلق ب”ازدراء الدين الإسلامي”، وقضايا أخرى تخص “الحق العام”، دون أن ننسى القرارات الصادرة والقاضية بمنعها من مغادرة التراب الوطني.

 

عملية التهريب المحكمة للناشطة والصحافية الجزائرية “بوراوي”، الحاملة أيضا للجنسية الفرنسية، تمت في غفلة الأعين “البصاصة” عبر المعبر الحدودي “ملولة”، حيث “أخفيت “أميرة” في سيارات أعدت للحدث لتلافي الرصد من طرف رجال الأمن والمخابرات.

 

ووفق مصادر إعلامية فإن عملية “التهريب” المعقدة والناجحة شارك في التهييء لها رجال أمن تونسيين بتنسيق مع ضباط المخابرات الفرنسيين، بعد أن دخلت تونس، واحتضنتها السفارة الفرنسية في العاصمة التونسية، التي قامت بحمايتها، وقام السفير الفرنسي في تونس بترتيب كافة تفاصيل عملية إخراجها من تونس وسفرها إلى باريس بعيدا أن أعين الأمن التونسي، بعد أن حرروها من قبضة المخابرات الجزائرية.

 

المحاولة الأولى التي قامت بها المخابرات الفرنسية والتي عملت السفارة الفرنسية في تونس على ترتيب خطة تسفير “أميرة بوراوي” إلى فرنسا عبر مطار “قرطاج الدولي”، إلا أن أمن الحدود التونسي، وبعد أن لاحظ أنها لا تملك ختما على جواز سفرها الفرنسي يبين دخول تونس، وهو ما أثار الشك لدى شرطة الحدود، ليتم كشف أمرها ويتضح أنها مطلوبة من لدن السلطات الجزائرية.

 

وبعد أن شارفت الخطة على الفشل، تدخل السفير الفرنسي في تونس، شخصيا، ومارس ضغطا على السلطات التونسية من أجل السماح للناشطة الجزائرية بالخروج من البلاد على ضمانة الجمهورية الفرنسية، بحكم أن “أميرة بوراوي” حاصلة على الجنسية الفرنسية.

 

طلب قوبل بالتريث نظرا لطبيعة العلاقة الرابطة بين الرئيس التونسي، قيس سعيد، والنظام الجزائري، والغذق المالي السخي الذي منحته الجزائر لتونس والمقدر بمليارات مقابل مواقف سياسية لقيس سعيد داعمة للجزائر ضد المغرب، وهو ما دفع وزارة الخارجية الفرنسية إلى التدخل مباشرة لدى وزير الخارجية التونسي، عثمان الجرندي، الذي مَهَدّ الطريق ل”أميرة بوراوي” لمغادرة التراب التونسي، بداعي أنها تحمل الجنسية الفرنسية، وهو ما كلفه لاحقا منصبه.

 

وفي ظل سخونة الوضع وحركة الهاتف التي لم تتوقف بين الجزائر وتونس في الموضوع، وأمام رصد ودهاء المخابرات الفرنسية وبالتنسيق مع أمنيين تونسيين، وبناء على حكم قضائي تونسي يسمح لها بمغادرة التراب التونسي، انتقلت المخابرات الفرنسية إلى الفعل وقامت بـ”تهريب” الناشطة الجزائرية عبر رحلة للخطوط الفرنسية من مطار قرطاج الدولي، في رحلة إلى مدينة “ليون” الفرنسية رفقة ضابط في المخابرات الفرنسية.

 

لتنتهي فصول هوليودية المشهد ولتظهر “بوراوي” في مطار “ليون سانت اكسوبيري” حيث قالت من هناك إن رحيلها إلى فرنسا عبر تونس ليس هروبا إلى “المنفى” وأنها “ستعود قريبا” إلى الجزائر.

 

ولتخلف فصول الرحلة الهوليودية الناجحة توترا دبلوماسي بين باريس والجزائر، مع قرار “تبون” شخصيا استدعاء السفير الجزائري لدى باريس “للتشاور”، حيث جاء في الأمر “أمر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، باستدعاء سفير الجزائر بفرنسا، سعيد موسي، فورا للتشاور”، ناقلة لفرنسا “احتجاجها الشديد على عملية الإجلاء السرية وغير القانونية” لبوراوي المطلوبة للقضاء الجزائري.

 

وكانت الخارجية الجزائرية، قد أدانت، الأربعاء، ما أسمته “انتهاك السيادة الوطنية من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية”، مضيفة أن هؤلاء “شاركوا في عملية إجلاء سرية وغير قانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري”.

التعليقات مغلقة.