تطوان: تنظيم ندوة فقهية في محور مواكبة القانون للثورة الرقمية

أصوات: القسم الثقافي

في ظل التطور المتسارع لتقنية الاتصالات والمعلوميات وإدماجها في مختلف المجلات والأنشطة الحياتية، شهد العالم ثورة رقمية فرضت تحديات عديدة خاصة على الصعيد القانوني، والذي أصبح بدوره يواجه تحديا في أسسه التقليدية التي كشفت عن ضعف الصناعة التشريعية في كثير من المجالات مع عجز النظم التشريعية في استيعاب المفاهيم الحديثة المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية وقصور المبادئ القانونية المتعارف عليها في معالجتها، وأمام هذا الوضع تثار إشكالية رئيسية تتمحور حول ما مدى جاهزية البيئة التشريعية لمواكبة الرقمنة، تطرح عدة نقط للبحث والنقاش من قبيل: مدى إمكانية التوفيق بين الحريات واحترام الحقوف الأساسية وبين ضرورة التأطير القانوني المتكيف مع المجال الرقمي لمحاصرة الحالة.

وفي هذا الإطار احتضنت قاعة الندوات بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان يوم السبت 18 مارس الجاري، ندوة وطنية حول “الثورة الرقمية: أية مكانة للقانون؟”، من تنظيم ماستر قانون الرقمنة والمعاملات الإلكترونية بتعاون مع شعبة القانون الخاص، وفريق البحث قانون الرقمنة ومناخ الأعمال، وفريق البحث المعاملات المدنية والاستثمار بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان وتكوين الدكتوراه: العمل القانوني تحليل السياسات وتدبير التنمية وبشراكة مع مركز سبارطيل لخدمة القانون وحسن الأداء القضائي.

 

 وقد استهلت الندوة السيدة “مارية بوجداين” عميدة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، التي أعطت انطلاقة للندوة ، التي مرة عبر أربع جلسات علمية أطرها عدد من الدكاترة الباحثين بكل من تطوان، الرباط، فاس، مكناس وأكادير/، حيث ترأس الجلسة الأولى السيد “نور الدين الفقيهي”، أستاذ بكلية الحقوق بتطوان ، تمحورت حول معاناة الأجراء بخصوص ضعف التأطير القانوني للثورة الرقمين ، للأستاذ محمد بنحاسين، وموضوع حماية المستهلك في عقود المسافة، للأستاذة “نزهة الخلدي”، وموضوع التشريع في المجال الرقمي بين القواعد الخاصة والتخصيص في القواعد العامة، للأستاذ عبد الرزاق أصبيحي، وموضوع آثار التطور العلمي في صناعة القاعدة القانونية “المعاملات التجارية نموذجا”، للد. يوسف التبر، وموضوع جرائم السب والقدف عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، للباحث سعيد الوردي، وموضوع حماية البينات الشخصية في البيئة الرقمية بين النص والقانوني والواقع العلمي، للد. “مصطفى حسيني”.

 

 وقد ترأس الجلسة العلمية الثانية “د.هشام العزوزي الإدريسي”، التي شملت مواضيع هامة وهي: التحولات الرقمية الصاعدة وتحجيم الوظائف الضبطية للقانون تنظيرا وممارسة للد. “إسماعيل أقادي”، وموضوع الحق في الحصول على المعلومة والحق في حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي حدود الاتصال والانفصال “عبد القادر قرموش”، وموضوع الحماية القانونية للحياة الخاصة بين أحكام الشرعية والاتفاقيات الدولية، للد. “البشير ازميزم”، وموضوع المسؤولية القانونية عن الذكاء الاصطناعي، للد. “طارق عزوز”، وموضوع انتشار الجريمة الرقمية وطرق التصدي لها، الفضاء السيبراني نموذجا، من تقديم دة. “نسرين الرحالي”، ود.”ميمون مصطفى” في موضوع امتداد الثورة الرقمية إلى ميدان الشغل.

وفي الجلسة العلمية الثالثة، تطرق “د.محمد السطي” إلى موضوع الرقمنة في الصفقات العمومية، ودة. “بشرى الشلي”، طرحت موضوع الجريمة الإلكترونية: إشكالية الإثبات، و”د.يوسف راجي”، في موضوع المقاربة القضائية بين ضعف دينامية النص وإشكالية التكييف في ظل تطور جرائم تقنية المعلوميات ذات الطبيعة الجنسية، والدكتور الزبير المعروفي، قاض بالمحكمة الابتدائية بتطوان، في موضوع تأثير الرقمنة على واقع القانون الجنائي للإعمال بالمغرب، وكان تدخل للدكتور محمد بومدين، في موضوع الأجير الإلكتروني: مفهوم مستجد في قانون الشغل، والدكتور “أحمد مرون الوهابي”، في موضوع التركة الرقمية: المقاربة التشريعية والإشكالات العملية.

 

 والجلسة العلمية الرابعة، الذي ترأسها الد.طارق عزوز، ابتدأت بمداخلة “د. يونس قبيبشي”، موضوع  La paix et la sécurité internationale dans lecyberspace“، و”د.عبد العالي برزجو”، في موضوع دور الأمن السيبراني في حماية المعطيات الشخصية، و”د.جلال الغازي” في موضوع الرقمنة وتخليق المرفق العمومي، و “د. محمد الشواي” و”ذ.ة نورة حوضي” في موضوع الالتزام بالإعلام والمعاملات الرقمية، و”د. عبد الالاه المحبوب”، و”ذ.ة سارة ابن حيون”، في موضوع /الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الأنترنت: أية حماية؟ و”ذ.ة شيماء العنصري”، في موضوع “جريمة الابتزاز الإلكتروني، و”ذ. جمال المنصوري” في موضوع “مبدأ الشرعية في ظل التطور التكنولوجي”.

 

 وتأتي هذه الندوة الوطنية لمسايرة ما يشهده العالم من ثورة رقمية أعطت بعدا جديدا للتنمية، في ظل التطور المتسارع لتقنية الاتصال والمعلوميات وإدماجها في مختلف المجالات والأنشطة الحياتية، وذلك لما تلعبه المعلومات في الوقت الراهن، التي صارت  قوة لا يستهان بها في أيدي الدول والأفراد وأصبحت معها العقود التجارية الإلكترونية واقعا يفرض نفسه على المستهلك لا يمكن تجاوزه، وهذا الواقع حمل معه عدة تحديات قانونية وإشكاليات ترتبط على سبيل المثال بتأثر عقود التجارة الإلكترونية على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للمستهلك سواء عند البحث في تكوين العقد أو عند تنفيذه وخاصة في ظل الآثار المترتبة على هذا النوع من العقود، مما أدى بالمشرع المغربي إلى سن قوانين جديدة كفيلة بحماية المستهلك المتعاقد إلكترونيا، كما تم تسليط الضوء خلال هذه الندوة على واقع صناعة التشريع وتحديات الثورة الرقمية، من خلال مجموعة من المحاور وهي:

 1/ صناعة القاعدة القانونية في عصر الرقمنة.

2/ المعاملات الرقمية والذكاء الاصطناعية: أي تأطير قانوني.

3/ الجريمة في عالم رقمي بلا حدود.

4/ الخصوصية وحماية البيانات الشخصية.

 

 وهي محاور خريطة طريق، الخبراء والمسؤولين والأكاديميين من أجل بسط الموضوع وإثارة النقاش حول مكانة القانون في عصر الرقمنة، والإدلاء بما يمكن أن يشكل حلولا يستنير بها المشرع محاولة منه لسد الثغرات القانونية التي قد تطرأ على القواعد القانونية في مواجهتها لكل المستجدات في عالم سريع التحول.

 

 وقد أحاط الأساتذة الباحثين خلال هذه الجلسات ، بالعديد من جوانب حياتنا اليومية التي يتم استخدامها وإساءة استخدامها رقميًّا، مبرزين أن التقدّم التكنولوجي الرقمي له العديد من الفوائد على مستوى حقوق الإنسان والتنمية، فهو يمكّننا من التواصل والترابط مع الناس في جميع أنحاء العالم بشكل غير مسبوق، فضلا عن مساهمته في التعبئة والإعلام وفي مختلف التحقيقات، وبالمقابل ستكون هناك انتهاكات لحقوق الإنسان والتي يتم التصدي لها من خلال القوانين ، كما أنه لا يمكننا أبدًا تجاهل الجانب المظلم من استعمال الرقمنة ، حيث أن الثورة الرقمية هي قضية عالمية أساسيّة من قضايا حقوق الإنسان وفوائدها الواضحة لا تلغي أبدًا مخاطرها ، كما أكد المتدخلون أنه  لا يمكن القبول  بأن يكون الفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي غير خاضعَيْن للمراقبة والإشراف أو غير متاحَين لحقوق الإنسان، على أن يتمتع الفرد بنفس الحقوق في العالم الافتراضيّ كما هو في العالم الواقعيّ… حيث تمكن التكنولوجيات من أن تساعد في جعل عالمنا أكثر إنصافا وأكثر سلما وأكثر عدلا، فضلا عن أن الإنجازات الرقمية يمكنها أن تدعم كل هدف من أهداف التنمية المستدامة، وتسهل تبادل المعلومات ونقلها في أي وقت ومكان وبأقصى سرعة، ودون جهود وبأقل تكلفة ممكنة، كما تمكن الفرد من الوصول إلى المعلومات والمعرفة الموجودة بسهولة و في أي مكان في نفس اللحظة، كما تسهيل الانتشار الواسع واللامحدود للمعلومات بين دول العالم، وسرعة الأداء وسهولة الاستخدام والاستعمال….و هذا سيؤدي إلى آثار سلبية تستدعي توفير الحماية و الآليات اللازمة للتحكم و للتدخل في عالم مترامي الأطراف لم يعد يعترف بالحدود خصوصا في محاصرة الجريمة وموقع القضاء من مختلف هذه المنازعات في صيغتها الرقمية.

 

 وسينبثق عن هذه الندوة الوطنية توصيات هامة ستكون لا محالة، منطلق لتحسين وتجويد المراقبة القانونية للعالم الافتراضي وجعله منصف وآمن يخدم المصالح العليا لمواطني العالم.

التعليقات مغلقة.