العرب ومسلسل التغيير

بقلم: صلاح الطاهري

انتفضت معظم الشعوب العربية لإسقاط الأنظمة الحاكمة، فتغيرت حكومات وصعدت أخرى، وسادت حالات من الفوضى والانهيار المؤسسي لبعض الدول، وتصدرت قوى معارضة السلطة ما بين تولي تام للسلطة، أو تقاسم لها .

تجزأت دول، وانقسمت منها جماعات وطوائف وأحزاب، ونشبت ردات الفعل، واندلعت ثورات مضادة، وتحولت القوي السياسية المعارضة الثائرة إلى أنظمة حاكمة ظالمة، لا تقل بشاعة عن الأنظمة العربية البائدة…

تفاقم الأمر وتعاظمت التدخلات الخارجية بشؤون تلك الدول ومسارها السياسي والاقتصادي والسياسي…

وتمرغت عدد من تلك الدول وانزلقت في صراعات واقتتال داخلي يصعب الخروج منها.. 

أهدرت ثروات الأوطان واستنزفت مواردها وخيراتها وترسانتها العسكرية وشبابها وجيوشها في حروب داخلية عبثية أحرق فيها الأخضر واليابس، وازهقت فيها ملايين الأرواح من جنود وساسة ومدنيين، ولا زال البؤس والفقر والمعاناة يحتل وينهش في شعوب تلك الدول العربية..

لماذا كل ذلك يحصل؟ وما الذي حدث حتي تتكبد تلك الشعوب أصناف وأنواع الظلم والمعاناة والشتات والتشرد..؟

لماذا كل ذلك يحدث لوطننا العربي الكبير، رغم امتلاكه لنصف ثروات العالم؟ وما هذا التغيير الذي ننشده لحياة كريمة؟ سوى كونه مصطلحا يقال فقط، والواقع مغاير لما نشدته شعوبنا العربية، فمستوي دخل المواطن العربي قل.

وجودة التعليم شابها الكثير من التراجع والهشاشة، وغياب المعايير الجيدة لها.

والاستثمار والتصنيع والتصدير شبه منعدم، والمنتجات المحلية لا تكاد تذكر، واستهلاك مخيف لاحتياجاتنا من الغرب، وهجرة منقطعة النظير للنخب والمفكرين والعلماء العرب لدول اجنبية، وجدوا فيها الحضن الذي يقدرهم ويحمي مشاريعهم واختراعاتهم ومنجزاتهم في مختلف المجالات…

ووسائل إعلام عربية لا تجيد سوي تغذية عقول الأجيال بالزيف، ومشاريع الارتهان والصراع والثارات السياسية والخلاف والنزاع المناطقي والعرقي والطائفي والديني، وتصنيع جيل يقوم على الابتذال والتقليد الهابط والأعمي للغرب.

وعلماء دين لا يقل دورهم بشاعة عن حاكم مستبد ومعارض منتقم.

إن كل ما حدث ويحدث لنا كعرب في إحداث عملية التغيير والتداول السلمي للسلطة، هو أنه لا توجد لدينا أحزاب وقوى سياسية تمتلك رؤى ومشاريع وطنية صادقة مكتملة لإدارة البلدان.

ولا نملك حتى قوى وأحزاب سياسية معارضة مؤهلة لتكون بديلاً عن الأنظمة الحاكمة، بل نجزم إنها أكثر بشاعة من تلك الأنظمة البائدة، وهذا ما أثبتته المتغيرات والاحداث في تلك البلدان العربية.

كما ان غياب القوى الوطنية التي تستمد برامجها ومشاريعها الوطنية ومسارها السياسي من تطلعات الوطن، بل أن كل ما نجده هو قوى تستمد خططها ومسارها من مرجعيات خارجية بإيديولوجيات تقوم على الصراع الديني أو الطائفي أو العنصري.

والمركز المالي وصناعة القرار الأممي في ظل غياب مؤسسات وطنية تغرس الوعي الوطني، وتخلق قيادات شبابية سياسية وطنية تتصدر المشهد كبديل عن القيادات السياسية المتهالكة التي أغرقت شعوبها في وحل الصراع والحروب والاقتتال.

وما أحوج شعوبنا العربية والإسلامية إلى وعي شعبي وطني متحرر من قيود الانقياد والتبعية الحزبية والطائفية، يرسم ملامح الغد المشرق لمستقبل شعوبنا العربية.

التعليقات مغلقة.