هواتفنا التي تعيد صدى أصواتنا إلينا

المصدر: النهار العربي
قرر صديقي، أخيراً، أن يفتح حساباً في “تويتر”، إذ شعر بأنه تفوته الكثير من الأخبار الكروية رغم كونه متفرجاً محايداً للمباريات. طلب منه التطبيق اختيار اهتماماته عند التسجيل، فوضع الساحرة المستديرة، والرياضة عموماً.
راح يقلّب التطبيق في ساعاته الأولى. وجد حساباً لصحافي مرموق كان يتحدث آنذاك عن إمكان إقالة مدرب أحد الأندية، فتابعه. قضى بعض الوقت في قراءة الردود أسفل التغريدة، والتي كانت – بطبيعة الحال – من مشجعي النادي المعني، وربما تفاعل معها بسذاجة بإعادة التغريد والإعجاب.
وبإمكاننا القول إن صديقي المسكين ابتلع حينئذ الطُعم.
فحينما تفقدت حسابه بعد شهرين، كان يبدو كمتعصب للنادي المعني، فهو يتابع عشرات الحسابات لمشجعيه ولاعبيه وإدارييه، ويتفاعل معهم، ويضغط بالإعجاب، أو يعيد تغريد شتى التغريدات العشوائية عن أمور متعلقة بالفريق. بل صار يستخدم في تغريداته الوسم الجماهيري المطالب بإقالة المدرب، وهي المسألة التي لم يعلم بأمرها سوى مصادفة مع دخوله “تويتر”!
والحقيقة أن أغلبنا قد ينتهي به المطاف مثل صديقي، إذ تحمله الخوارزميات من دون شعور منه، وتلقي به حيثما قدّرت وجهته تبعاً لما يشاهده أو يتفاعل معه.
إننا ندخل وسائل التواصل الاجتماعي بذريعة أنها عوالم لا نهائية تضم وتتسع للجميع. نتخيلها سوقاً حرة ضخمة، يدلل فيها أي أحد إلى سلعته، ويُمنح فيها الآخرون بالتساوي خياري القبول والرفض. ولكن تبيّن أن تلك التعددية والتنوع والاختلاف، والتي رغّبتنا في هذه التطبيقات، ربما تؤدي إلى هلاكنا.
فبصراحة، مؤيدو تطعيمات “كورونا” لا يريدون فضاءً افتراضياً يعج بنظرية المؤامرة. والمحافظون سيكرهون رؤية تغريدات الليبراليين طوال اليوم. وإذا كنت نباتياً، فستفضّل أن تنحدر عبر الخط الزمني، فتشاهد وصفات طبخ تخلو من اللحوم.
ولضمان أريحيتك تلك، والتي ستعني بالتالي التصاقك بالشاشة لأطول وقت ممكن، ستحاول خوارزميات التطبيقات أن تزيح مسببات الصدام والتعارض والملل والنفور من أمامك، لتخلق لك ما يُعرف بـ”غرفة الصدى”، حيث تُحاط بالآراء والميول والأيديولوجيات والاهتمامات المطابقة لك على الدوام، والتي لا تفعل سوى التأييد والدعم والتأمين على كل ما تعتقده وتقوله.
والخوارزمية شديدة الخبث. فلا يكفي أن صديقي سالف الذكر أصبح مطوّقاً بالتغريدات المعنية بناد محدد، بل حينما أصبح مهتماً بمسألة إقالة المدرب على وجه الخصوص، ويستخدم الوسم المُطالب بإقالته، أشبعه التطبيق بتغريدات مماثلة ممن كانوا يهتفون بدورهم “#نعم_لإقالة_فلان”، وأبعد المشجعين المؤيدين لاستمرار المدرب. لم تمنحه الخوارزمية حق الاختيار، فلم يعد صديقي يلاحظ أصلاً وجود الرأي المقابل ليتسنى له فهمه، وتقرير موقفه منه.
ربما يكون لغرف الصدى نفعها، إذ توفّر بعض الملاذ الآمن لمن لا يجدون متنفساً لهم للتعبير عن قناعاتهم المُحاربة في مجتمعاتهم، ويعانون قمع الأغلبية.
ولكن يؤسفني القول إن الفضاءات المفتوحة التي وُعدنا بها ليست سوى عجلة نُثبّت عليها مثل فئران الهامستر، ونُترك لنركض حتى الإجهاد.

التعليقات مغلقة.