“طوفان الأقصى” وعصر الأنوار الجديد.

عمل إرهابي قامت به حماس باستهدافها المدنيين وهجومها على إسرائيل…..
إسرائيل تمارس إرهاب دولة على الفلسطينيين منذ 1948 وقتلت من المدنيين الفلسطينيين ما لا يمكن إحصائه.
هذا هو المشهد الإعلامي بشكل عام. وهكذا انقسمت مواقف العالم حول رد فعل حماس على الجرائم الصهيونية، بين عالم يطمس جرائم الماضي ويريد أن لا يتحدث سوى عن قتل الإسرائيليين، وبين من يضع الحدث في سياقه ويربطه بأكثر من عقدين على محاصرة وتجويع قطاع غزة وجرائم إسرائيل على مدى أكثر من 8 عقود.
لكن…مهما كانت المواقف، ومهما تباعدت الآراء، فالحقيقة على الأرض هي المحدد وهي الميزان. لا أحد في العالم يمكنه إخفاء حقيقة أن ما تعرض له الشعب الفلسطيني في غزة، من حصار وتجويع وعقاب وقتل بطيء، لم يشهده تاريخ البشرية في كل مراحله، بل حتى مرحلة ما قبل التاريخ. فإذا رجعنا لفلسفة جون جاك روسو وتوماس هوبز حول الإنسان القديم أو الطبيعي حسب توصيف روسو، نكتشف هذه الحقيقة. اعتبر روسو أن الإنسان الطبيعي كان مسالما وميالا للسلم، فيما ذهب هوبز إلى أنه كان عدوانيا وميالا للحروب والصراعات. وإذا استدعينا فلسفة هوبز الأكثر تشاؤما، فإننا لن نجد عبر التاريخ القديم، شراسة أكبر مما تعرض ويتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة. هذه خلاصة فلسفة الأنوار التي أبدعها الغرب الأوروبي. فأين هو فكر الأنوار فيما يحدث لشعب لا يملك سوى إرادة القوة التي تحدث عنها نيتشه، للدفاع عن حقه في البقاء.
لا يرى الغرب في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سوى ما تقوم به حماس من ردة فعل للدفاع عن الشعب الفلسطيني. حتى أن إعلامه، حين يستضيف فلسطينيا، يركز على طرح أسئلته محاولا اختصار الموضوع في حدث السبت 7 أكتوبر. وإذا ربط الضيف الفلسطيني الحدث بالتاريخ الإجرامي لإسرائيل، تجد الصحافي يقاطعه لكي يتحدث فقط عما تقوم به حماس. وكأن لسان حالهم، يريد أن يطلق العنان لإسرائيل لكي تعربد في المنطقة كما تريد، وما على الفلسطيني إلا أن يقدم لها الورود ويشكرها على تهجيره من أرضه، وتجويع أبنائه، وإحراق مزارعه، وسحل نسائه في الأقصى، وسرقة مياهه….وإذا انتفض الفلسطيني ودافع عن نفسه بكل ما يملك، حتى بالحجارة، فهو إرهابي يمارس العنف.
إنه عصر الأنوار الغربي الجديد، المتسلح بالحداثة التي أبدعها، ذات يوم، مفكرون حكماء نظّروا لعالم متسامح متضامن، معترِف بحق الخلاف، متقبِّل للآخر. عالم بدون صراعات ولا نزاعات ولا حروب. لكننا الآن، نعيش مع عالم غربي تحول فيه المفكر إلى سياسي يميني متطرف، وتحولت فيه الحكمة إلى فكر عنصري وإقصائي. ربما يعتقد السياسي المتطرف، الذي حل محل المفكر الحكيم، في عصر الأنوار الجديد، بأن قوة السلاح والتفوق التكنولوجي، سيجعله قادرا على سلب إرادة الشعب الفلسطيني ليُسلِّم أرضه للمغتصب الإسرائيلي. لكنه اصطدم خلال العملية النوعية لحركة حماس، بواقع جديد، تخلص فيه المقاوم من براثين إحساس الانهزام والحروب الخاسرة، وأصبح قادرا على جعل المعتدي يؤدي ثمن جرائمه، ويكبده خسائر فاقت خسائر كل حروبه مع الجيوش العربية.
قد يغتر سياسيو عصر الأنوار الجديد، بتفوقهم العسكري وتقدمهم التكنولوجي، ويعتقدون أن بإمكانهم تركيع الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه، وجعله يتخلى عن حقوقه المشروعة، في عالم يريد تحويله أصحاب الفكر التنويري الغربي، إلى غابة متوحشة، بلا مبادئ ولا أخلاق، يأكل فيها القوي الضعيف. لكنهم يقفون عاجزين أمام الإرادة القوية لشعب تفوق على السلاح المتطور، والتكنولوجيا المتقدمة. إنها إرادة القوة التي تحدث عنها نيتشه، والتي ستحول الغرب إلى عصر الظلمات، بلا أخلاق ولا مبادئ ولا حداثة. لأن عصر الأنوار ومبادئ الحداثة التي أبدعها فلاسفة القرن 18، تحولت بعد عملية حماس النوعية، إلى الشرق الأصفر بزعامة الصين وروسيا، وهي الدول التي أدانت قتل المدنيين الفلسطينيين ودافعت عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه وحقه في الحياة.
سعيد الغماز

التعليقات مغلقة.