أنفاق التخلف والعبودية الجديدة: الفن الملتزم نموذجا + فيديوهات

بقلم رضوان البقالي

شكلت الفنون منذ القدم فضاء رحبا للإبداع والتميز ونسقا لابتكار آلية قادرة على إشباع النفوس بالكلام والإشارات السمعية البصرية، وأحيانا أخرى بالمقاطع الصوتية والموسيقية والمسرحية…

 

 

 

وكانت للفن الحديث والمعاصر ارتباطات وثيقة بمفهوم الحرية والعدالة والسلطة والدولة، هاته الأخيرة دأبت على توظيفه لصالحها كنوع من التطبيل والتطبيع مع السائد والمعتاد…، بهذف التحايل على الرأي العام قصد توجيهه والتحكم فيه عبر مقاساتها القديمة المتجسدة في المقاربة القمعية كسلوك رافض لكل ما هو جديد ومبتكر قد يحول ميول وتوجه الناس نحوه.

 

أنفاق التخلف والعبودية الجديدة الفن الملتزم نموذجا (1)
الفن الملتزم رسالة الإنسان للإنسان في عالم التوحش والهمجية

 

ولعل الفن الملتزم جاء للوجود كردة فعل عن واقع القهر والحرمان… في المجتمعات المتخلفة، فمنذ سبعينات القرن الماضي ارتبط الفن الملتزم بالرفض والاحتجاج…، وبدأ ينشد قيم الحرية والعدالة الاجتماعية…، وتحول فيما بعد إلى محرك للدينامية المجتمعية خصوصا في دول آمريكا اللاتينية والدول العربية.

 

فعلى سبيل المثال أغنية واحدة قادرة على تهدئة أعصاب الآلاف من الناس عبر العالم؛حيث أضخى الفن الملتزم عابرا للحدود الجغرافية وللامتدادات التاريخية والذي يتم تصديره بين الدول كما وقع سنة 2011 خلال الربيع العربي خير دليل على قابلية عيشه ونموه في أراضي مختلفة ومتخلفة من العالم نظرا لتميزه بلغة موحدة وشاملة ومفهومة عند شعوب العالم التي تعيش على النقص الحاد في الحقوق والقيم الإنسانية العليا من كرامة وحرية…..

 

الفن الملتزم هو النوع الوحيد من الفنون الذي يقدم للمتلقي “الجمهور” رسالة إنسانية خالية من العنصرية والتعصب والاقتتال….، وما نعيشه اليوم من تخلف حضاري وانحطاط ثقافي وأخلاقي…، ما هو إلا مرحلة من الحرب العالمية التي تدور رحاها تجاه كل ما هو جميل ويخدم الذوق الرفيع للشعوب.

 

فالحرب في القاموس المعتاد هي عدو تقليدي للثقافة ونقيض لكل جهد إبداعي قادر على تهذيب النفوس ومراكمة التجارب والخبرات الثقافية التي تكون بمثابة المدخل الرئيسي لبناء مجتمع السلم والأمان…

 

إن ما نشهده اليوم من تراجع لمستوى التعليم وتفاقم للهجرة السرية وانتشار واسع لعنصر الجريمة على المستوى الوطني والدولي ما هو إلا نتاج لغياب المسؤولية الاقتصادية والسياسية والثقافية تجاه المواطنين/ات، حيث اعتماد الميكافيلية في برمجة المشاريع وتنفيذ البرامج الحكومية مما أفقد الثقة لدى فئات عريضة من المجتمع وجعلها تعيش التسيب الأخلاقي كمرحلة متقدمة من تفكك المجتمع وظهور الفردانية والأنانية في التفكير والإبداع…

 

ففي العلوم الإنسانية التسيب الأخلاقي مرتبط باندحار الروابط الاجتماعية؛ وفي العلوم الدقيقة هناك ترابط وتداخل بين الروابط الهيدروجنية الوهمية وجزئيات الأكسجين وعنصر الكربون؛ فهذا الأخير له ما يكفي من القدرة على التحرك بسلاسة في كل الاتجاهات حتى وإن تعلق الأمر بالشقوق المجهرية مما يولد حالة من الاختناق الفيزيولوجي للشخص المتواجد في الحيز المدروس؛ نفس المعطى يتشكل في حالة غياب الروابط المجتمعية وتداخلها لحل الأزمات والخروج من أنفاق التخلف والعبودية الجديدة.

 

مما لا شك فيه أن تجاوز مرحلة الانحطاط يتطلب تظافر الجهود والخروج من قوقعة التعالي وإبراز للقوة نحو إعطاء الأولوية لما يقدمه الشارع من شعارات بديلة وبرامج مقترحة من طرف المعارضين والمثقفين العضويين وكل الفاعلين والمهتمين بالشأن العام بهذف ملئ الفراغ بين الدولة في شخص الحكومات المتعاقبة من جهة؛ وبين الدولة والشارع العام من جهة أخرى.

 

إن الفن الملتزم لا يكرس العدمية وليس من أسسه نشر العداء والعدوانية كما يروج له من طرف أعداء كل ما هو جديد حفاظا على مصالحهم الضيقة…، بل هو رسالة واضحة للتقدم ومنهج لإرساء قواعد إنسانية الإنسان ومواجهة الميز العنصري والعقائدي وكل ما يعادي الإنسانية بشكل عام.

 

إن الفن بصفة عامة هو سلاح عابر للقارات؛ والملتزم منه يحرك الشعور بالانتماء للجماعة وحب الأرض…، حيث يأخد المتلقي من عالمه الخاص”أطراف العالم” إلى محيطه العام “العمق الداخلي” الذي لم يصل له بعد؛ فعندما يقول مارسيل خليفة “منتصب القامة أمشي…”، بشكل مباشر يتسرب لذهن المتلقي الشعور بالعزة والكرامة.

 

 

وعندما تقول أميمة الخليل “عصفور طل من الشباك…” فالمستمع ينتابه الشعور بالبراءة والصفاء؛ وفي ظل احتدام الصراع بين الانحطاط والازدهار…، فالبقاء سيكون للأصلح والأنفع لو بعد حين؛ ووراء كل نهضة ثقافية حركة اقتصادية تواكب التطور الحاصل وتشجع الجديد وتدمج البديل كورقة رابحة للدولة وللمجتمع على حد سواء؛ بشكل متواز مع ممارسة سياسية تراعي خصوصيات الأغلبية من المواطنين دون تمييز خدمة للصالح العام وبتر لجذور التخلف نحو إرساء دولة الحق والقانون والتجسيد الفعلي لحقوق الإنسان.

 

 

التعليقات مغلقة.