أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

هل دخل العالم زمن الديكتاتوريات “الديمقراطية”

محمد حميمداني:

محمد حميمداني:

 

فجر اعتقال “بافل دوروف” مؤسس “تلغرام” موجة من التساؤلات حول المصير الكوني لحرية الرأي والحرية الإعلامية في الغرب الممجد لهاته الحريات. والمتهم في الوقت نفسه للآخرين بالغباوة والتخلف في مضمار ضمان هاته الحريات. فالواقعة فرضت نفسها بقوة في سوق تقييم تعاطي الغرب مع هاته الحريات التي أصبحت تقاس على مقاس المصالح قبل الأخلاق أو القيم الكونية. وهو واقع عكسه تعاطي الغرب مع عدوان غزة.

توقيف “دوروف” لاقى رفضا دوليا بما يحمله من دلالات صادمة. وارتفاع أصوات مطالبة بإعادة النظر في التعاطي مع مرجعية الغرب الحقوقية. ومع مفهوم الحريات المروج غربيا والمقتول واقعيا.

وكان “بافل دوروف”، الحامل للجنسية الفرنسية، قد تم اعتقاله في مطار “بورجيه” بباريس. مباشرة بعد وصوله من “أذربيجان” على متن طائرة خاصة.

ووفقاً للتقارير الإعلامية الفرنسية، فإن “دوروف” مدرج في قائمة المطلوبين في فرنسا بسبب اتهامات محتملة تتعلق ب”الإرهاب، تهريب المخدرات، الاحتيال وغسل الأموال”. وهي اتهامات أصبحت تروج لإخراس كل الأفواه كما حصل سابقا مع “ويكيليكس”.

اتهامات طبخت في المطبخ الأمريكي الغربي وأوكل لفرنسا أمر تصريفها. وذلك بعد رفض “تلغرام” التعاون مع السلطات الفرنسية في بعض القضايا.

اعتقال “دوروف” التوقيت والأهداف

أكيد ان توقيف “دوروف” مؤسس “تلغرام” أتى في وضع يشهد فيه العالم حالة من التفجرات التي تهدد الاستقرار والأمن العالميين. فمن حرب روسيا وأوكرانيا، حرب روسيا و”الناتو” إلى حرب الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

ولا ننسى في هذا الباب تصاعد النزعات الديكتاتورية الفاشية في أوروبا، الحرب الأمريكية الداخلية فضلا عن تنامي النزعات العنصرية. دون أن ننسى حرب الإبادة المرتكبة في “غزة”. والتي تتم أمام صمت العالم الحر ومباركته وتسليحة لممارسة هاته الجرائم ضد الإنسانية. وصولا للمجاعة العالمية والهجرات الجماعية والعصور المظلمة التي أصبح العالم يعيشها.

حركية كونية تنحو نحو مزيد من القتل والتطرف والمنع وتقييد الحريات

اصبح عالم اليوم ينحو في اتجاه المزيد من التطرف وممارسة القتل. وذلك بشكل أصبحت معه المنظمات الدولية كالأمم المتحدة عاجزة عن ضبط إيقاع هاته الانفلاتات القاتلة والخطيرة التي تهدد الاستقرار والسلم العالميين. وهي الأسس التي قامت من أجلها. حيث أصبحت عاجزة أمام قوة اللوبيات الغربية المهيمنة على القرارات الأممية.

اعتقال مؤسس “تلغرام” الواقع وأكاذيب السلطات الفرنسية

المؤكد أن الترويج الفرنسي لاعتقال “بافل دوروف”، غير مقنع بالإطلاق. وذلك ارتباطا بكون “تلغرام” هي المؤسسة الوحيدة التي رفضت سيطرة الغرب على وسائل الإعلام والتواصل. بل شكلت أداة فعالة من خارج الرقابة الغربية لصالح الشعوب. وهو الأمر الذي لم يستسغه الغرب. خاصة مع رفض “تلغرام” التعاون مع هاته التوجهات الغربية.

فالغرب يحاول بكل الوسائل السيطرة على وسائل الإعلام العالمية واحتكارها وممارسة الرقابة عليها. وبالتالي توجيهها بما يخدم مصالحه ومصالح رؤوس الأموال. والمسعى هو تحقيق نوع من الهيمنة السياسية عبر إقبار كافة الأصوات السياسية المعارضة والمنافسة.

فالسيطرة على وسائل الإعلام بكافة أشكالها سيمكن الغرب من فرض وجهات النظر التي يرغب في تمريرها. خاصة مع التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم وحاجة الغرب للسيطرة على هذا المجال وتسخيره لتحقيق الانتصارات في كافة المجالات.

هاته المساعي ووجهت بصد من قبل “تلغرام” الذي أصبح أداة من الأدوات المستقلة للتواصل، كما ظهر في عدوان غزة وغيره. وهو ما أدى لأن يستل الغرب، ممثلا في فرنسا كأداة، سيف القمع للحريات واعتقال مؤسس “تلغرام” باتهامات واهية ورخيصة.

 

اعتقال فجر آلاف الأسئلة حول الأفق العام الذي يسير إليه العالم مع تحول الديمقراطيات الغربية لدكتاتوريات. مدافعة عن المصالح بكافة الأسلحة الممكنة حتى المحرمة إنسانيا بل وبأوسخ وأخبث الطرق الممكنة. وذلك على حساب المبادئ والأسس التي قام عليها المجتمع الإنساني.

جوليان اسانج مؤسس ويكيليكس

من “أسانج”مؤسس “ويكيليكس” إلى “دوروف” مؤسس “أنستغرام” القضية واحدة والجلاد واحد

حينما تفجرت قضية “جوليان أسانج” وموقع “ويكيليكس” الذي تأسس عام 2006. استلت الولايات المتحدة الأمريكية كل التوصيفات، التي تروجها فرنسا اليوم ضد “دوروف”. لمحاصرة “أسانج”. عبر اتهامه بكشف الأسرار الحكومية وتسريب الوثائق الحساسة. مع تعرض الموقع لعدة محاولات للتوقيف أو التقييد. وهو ما أثار جدلاً واسعًا حول حرية التعبير وحق الجمهور في المعرفة.

فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد روجت لادعاءات ضد مؤسس “ويكيليكس” من أجل طلب رأسه. عبر ادعاء تسريب وثائق حساسة. ارتباطا بكشفه أسرار الحروب، الدبلوماسية والممارسات الحكومية. خاصة تسريبات الحرب في “العراق” و”أفغانستان”. وكذلك البرقيات الدبلوماسية الأمريكية. وهي التسريبات التي أحرجت العديد من الحكومات وفضحت معلومات كانت تعتبر في غاية السرية.

المشهد عينه يتكرر اليوم مع “دوروف” من خلال عمل الولايات المتحدة وفرنسا على إخراس صوت “تلغرام” الوحيد الذي بقي حرا طليقا ملتصقا بقضايا الإنسان. ومجسدا لقيم الحق والحرية في التعبير عن الآراء.

 

وأمام رفض الانصياع لهاته التوجهات المتوحشة كان لزاما أن يحضر “الكوبوي” الأمريكي عبر “البدلة “الباريسية” لإيقاف هاته المساحة المتبقية من الحرية. وبطبيعة الحال التهم جاهزة في البيت الأبيض والبنتاغون.

فأمريكا رأت في “ويكيليكس” تهديدا لأمنها القومي وضغطت من أجل إيقاف الموقع ومعاقبة المسؤولين عنه. وملاحقة “أسانج” باتهامات جنائية. والبعض الآخر متعلق بانتهاكات متعلقة بنشر المعلومات السرية. نفس الوضع يعيشه “دوروف” الذي طبخت له نفس الاتهامات الجنائية من أجل إلجامه وإرجاعه لبيت الطاعة الغربي.

الأكيد أن الحرب القائمة تستهدف قطع كل إمكانية للتحرر أو التعبير عن الرفض للمنظومة الغربية القائمة. وهو ما عاشه “ويكيليكس” من استهداف لكل بنيتة التحتية المالية. حيث تم قطع التمويل عن الموقع من خلال منع التبرعات المالية عبر منصات مثل “PayPal، Visa، وMasterCard”. كما تم استهداف خوادم الموقع ومحاولة حجب نطاقاته على الإنترنت.

الأمر نفسه يعود ليتفجر عبر الأداة الفرنسية من خلال طبخ اتهامات جنائية ضد “دوروف” و”تلغرام” من أجل قتل ما تبقى من مساحة حرية.

والأدهى من ذلك دفاع الغرب بشراسة عن كل إمكانية لإيقاظ الداخل الغربي. ومنع كل الوسائل الموصلة للرفض الشعبي الداخلي. كما وقع مع تضامن الطلاب الأمريكيين والغربيين مع فلسطين وغزة. مع ما صاحب كل ذلك من توسع دائرة الرفض ل”إسرائيل”. وأيضا للغرب نتيجة مواقفه الداعمة للإبادة الجماعية وقتل الأاطفال والنساء المرتكبة من قبل الكيان الصهيوني. ومن هنا الحرب المعلنة على “دوروف” وتطبيق “تلغرام”.

“باريس” ودور البيدق ضمن رقعة الشطرنج الأمريكية

الأكيد أن “باريس” تلعب دور البيدق ضمن رقعة الشطرنج الأمريكية في قضية اعتقال “دوروف”. وذلك بتنفيذ “ماكرون” لأوامر واشنطن ومافيا العولمة في هاته القضية.

 

فالاستهداف هو في مواجهة آخر منصة حرة ضمن الشبكة الاجتماعية في العالم يرغب الغرب في إخضاعها بكافة الوسائل الممكنة حتى المحرمة إنسانيا. اعتبارا لدورها وعصيانها لأوامر التطويع والخضوع لسيطرة الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية الخاصة.

فالقيم الغربية تخلت عن كل الاعتبارات الأخلاقية لصالح الدفاع عن أهداف العولمة المتوحشة بكافة الطرق وبأي وسيلة ممكنة. بل وحتى بأوسخ الطرق وفي أقصر وقت ممكن. لقد أصبح الغرب يعيش صراعا داخليا وسباقا مع الوقت من أجل لجم كل أشكال الانفلات من عقال العولمة المتوحشة. بل وحتى التفكير في التحرر أو التمرد على هاته القيم الظالمة وفرض نظام التسلط الديكتاتوري على شبكات التواصل الاجتماعي.

تداعيات اعتقال “دوروف” وقبله “أسانج” على الحرية

يشكل اعتقال “دوروف” وقبله “أسانج” تهديد حقيقيا وفعليا لحرية الصحافة، وحرية التعبير. وهي بمثابة رسائل مباشرة أو مبطنة موجهة للصحافيين وللمنصات التي تتجاوز حدود ما ترسمه العولمة. وتحذر من التمرد عليها أو نقل رأي المتمردين على هاته العولمة على الرغم من الظلم الذي تحمله.

 

كما يعمق هذا الموقف الرقابة الصارمة الممارسة على الإنترنت. ضمنها إغلاق المواقع أو قطع التمويل عنها. وهو ما يمثل تهديدًا كبيرًا لحرية “الإنترنت” وحق المستخدمين في الوصول للمعلومات.

ارتفاع مستوى الوعي العالمي في فهم لعبة العولمة

في الجهة المقابلة يسجل نوع من التجدر في الوعي الشعبي العالمي بأهمية التصدي لانتهاكات حرية التعبير والرقابة على الأنترنيت. أو تقييد حرية الممارسة الإعلامية والفردية. وهو ما خلق تكتلا شعبيا للتصدي لهاته الأشكال الرقابية والابتكار في مجال تجاوز هاته الرقابة.

 

كما تم التفكير بقوة في تطوير أدوات وبرمجيات جديدة لحماية الخصوصية. وبالتالي ضمان أمان التواصل على الإنترنت. والتي أصبحت أكثر شيوعًا بين الصحافيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.

توقيف “دوروف” وقبله “أسانج” ليس حادثة عرضية بل هو جوهر المؤامرة

شكل توقيف “دوروف” وقبله “اسانج” رأي عام واع متصد لكل محاولة لخرفنة الفكر الإنساني. وقتل الإنسان وحقوقه لصالح عولمة ظالمة قائمة على قوانين السوق والربح عبر الخنق والمصادرة لكافة الحقوق. ومن هنا لا يمكن بالمطلق قراءة اعتقال “دوروف” كعملية معزولة أو حادثة قانونية أو سياسية عابرة.

 

على العكس من ذلك يجب التعامل معها ضمن صراع أكبر تخوضه الحكومات والنظم الغربية وغيرها ضد حرية التعبير في العصر الرقمي.

 

وهو اعتقال يعزز الحاجة لجبهة كونية للدفاع عن الحريات وضمنها حرية الصحافة والتعبير عن الرأي. وترفع للواجهة أهمية حماية الحقوق الرقمية في مواجهة الرقابة المتزايدة التي تشكل خنقا مؤسسا. ودعما للعولمة بأشكالها المتوحشة المقدسة للرأس مال على حساب الإنسان وحقوقه الأساسية.

التعليقات مغلقة.