أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

مقابر “سلا” من الإهمال وغضب المواطنين إلى غياب المحاسبة واستغلال الحصانة البرلمانية

محمد حميمداني:

 

سنفتح سلسلة مقالات حول أشكال التنمية المعاقة بمدينة “سلا” لنقف على ما تحقق في عمر المجلس الحالي والمسكوت عنه في التجربة. والمغيب المقتول تنمويا بإرادات سياسوية لا صلة لها بالتنمية المحلية. وستكون إطلالتنا اليوم على مقابر “سلا” لنتساءل هل أصبحت هاته الأماكن مكانا للراحة أم مستودعا للنفايات؟

 

ففي قلب مدينة “سلا”، تعكس مقابر دفن الأموات مشهدًا مؤلمًا، صادما ومُحبِطًا. وأنت ترى تلك الأماكن التي من المفترض أن تكون رمزًا للراحة الأبدية. وأن تحترم مكانتها. وذلك لكونها تضم رفات آباء وأجداد وورو الثرى ليجدوا أنفسم يوارون مرة ثانية ولكن بفعل نموذج التدبير المعطل لراحة الأموات فما بالنا بالأحياء.

فتلك المقابر تحولت بإرادة المجلس التدبيرية إلى فضاءات مليئة بالأزبال والقادورات في كل جانب من جوانبها. حيث تستقبلك الروائح الكريهة، عاكسة تلك الروائح التدبيرية التي تدار بها دواليب جماعة سلا.

فإذا كانت تلك الإرادات السياسية قد شوهت قدسية مكان يجمع رفات أموات المسلمين. وذلك بجعل الفضاء أقرب لمستودع للنفايات منه إلى مراقد الموتى.

فالإسلام أكد على أن إكرام الميت دفنه، ولكن إن كنا سنقوم بدفن الميت ليجد نفسه أمام عقليات تلفه بكل أنواع القادورات. وبالتالي تحيل محيط الرحمة والمغفرة إلى محيط لإغلاق الأنوف المزكومة بأوحال السياسة المتبعة تدبيريا لتحيط بمكان للأموات. فأي تكريم حمله المجلس للموتى فما بالنا بالأحياء؟.

 

أحاديث عن ميزانية ضخمة وروائح وأزبال منتشرة، فأين رحلت تلك الميزانية؟

 

ربما من بركات هذا المجلس أنه يعمل بالقول المأثور “كم من الأشياء قضيناها بتركها”. فأتقن بالفعل تنزيل المقولة لدرجة ترك الأموات يدبرون احوالهم بأنفسهم ما داموا ليسوا رقيبين على محيط المكان. ولا يمكن أن يتقدموا لا بشكايات ولا بلمتمسات رقابة.

كل ذلك على الرغم من وجود “ميزانية وصفت ب”المعتبرة” تم رصدها وتخصيصها لتكريم الموتى وتحسين أوضاع هاته المقابر.

لكن الوقائع على الأرض لا تعكس تلك السخاوة الميزانياتية التي تم رصدها سكنا لهؤلاء المساكين من الموتى.

الوقائع تتحدث عن وجود جمعية “محلية” رصد لها مبلغ مالي “غليظ” قدره بعض المطلعين على “كوكوت” الصفقات ب”ربع مليار درهم” من مالية الدولة. وهو مبلغ “الله يحفظ من العين” ليس بالسهل. ويسل اللعاب. لو صرف فيما خطط له رسام المجلس أن يجعل مستقر الموتى جنة. إلا أن واقع الحال يعكس الصادم من الحقائق. ويفتح أبواب المقبرة على آلاف الأسئلة التي تستوجب التحقيق والمتابعة القضائية. حول أين تم صرف هاته المبالغ الضخمة؟ والكيفية التي تم من خلالها تبرير صرفها؟ وما مصير هذه الميزانية؟ ومدى وجود الشفافية في صرفها؟ ومسؤولية الأجهزة الرقابية في مراقبة آليات صرف هاته الأموال العامة؟ وعلاقة ما يمكن تقديمه كمنجز بواقع حال المقبرة المأساوي؟.

 

علاقة واقع حال المقبرة بالحصانة التي يتوفر عليها المسؤول المباشر عن الجمعية 

 

في باب الثقافة الشعبية تكون الأمثال والحكم لها دلالات كبرى. بل هناك من يؤسس على أنها بداية الوعي. فليس من الغرابة أن نفهم بيسر واقع حال التدبير الميزانياتي للمقبرة وواقع حالها القائم. إذا علمنا أن المسؤول المباشر عن الجمعية التي تدبر واقع حال المقبرة. وموضوع التساؤلات التي طرحناها. يتمع ب”الحصانة البرلمانية”.

وهي حقائق ليست صادمة فحسب، بل صدمت وتصدم الأموات قبل الاحياء من باب رثاء حال المقبرة والموتى. والنهايات الحزينة أو السعيدة لصرف هاته الميزانية الضخمة. ومن أسعدت تحديدا؟ وهل بالفعل عكست هاته السعادة واقح ال المقبرة الأليم، أم المبوب في كشكولات الجمعية والمحول لاتجاهات معلومة ومجهولة.

وقائع أثارت قلقا الأحياء على مستقبل مقابر الأجداد وحرمة الموتى. وأيضا الحسرة على المالية العامة وأدوات صرفها والاتجاهات التي شدت الرحال إليها. وما علاقة كل ذلك بالحصانة الممنوحة. وهل هناك جهات تتعمد إقفال كل الطرقات والملفات ذات الصلة بالمقبرة وحرمة الموتى. 

فالبون بين المرصود الضخم والسمين للمقبرة وواقع حالها. يفجر أسئلة كثيرة عن كيفية استغلال المسؤول عن المقبرة لواقع الحصانة الممنوح له لتسهيل عملية الخضوع للرقابة والمساءلة. ليبقى السؤال المحوري المطروح هل من الواجب السكوت على هاته الملفات التي فاحت رائحتها كما الروائح المنبعثة من المقبرة؟ وهل ستبقى هاته الأوضاع على ما هي عليه إلى إشعار آخر بلا تحقيقات شفافة حول كيفية إدارة هذه الأموال العامة؟ وهل للحصانة البرلمانية الممنوحة دور في تفعيل فعل الإعاقة لكل هاته التحقيقات؟ وعن علاقتها بتيسير الإفلات من المتابعة والمحاسبة، علما ان الأمر يتعلق بالمال العام وكرامة الأحياء الأموات والأحياء معا؟

 

من يعطل كل آليات التحري والمتابعة؟ 

 

واقع حال المقبرة والمالية العامة تستوجب “وقفة جادة” من السلطات المعنية كما المواطنين. وذلك للتنقيب عن أماكن صرف تلك الأموال الضخمة؟ والجهات التي استفادت منها؟ إذ لا يمكن التفريط بأي حال من الأحوال في المحاسبة ضمن علاقتها بالمسؤولية كمبدأ دستوري مضمن بدستور المملكة الشريفة. والتي ما فتئ عاهل البلاد المفدى يحث عليه ويدعو لتنزيله واعتماده أسلوب حكم وإدارة. وذلك مهما علت صفة المسؤول أم دنت. خاصةً عندما يتعلق الأمر بإهدار المال العام وتجاهل مصالح المواطنين.

يجب أن تكون هناك آلية لمراقبة دقيقة لكيفية إنفاق الأموال المخصصة لتحسين الخدمات العامة. مع ضمان أن يتم استخدامها بطرق شفافة وفعالة. وفيما خصصت له سلفا. لا أن تحول تلك الأموال لوجهات غير تلك المرصودة لها. 

ف”كرامة الإنسان” لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنتهي بموته. بل تمتد للطريقة التي يتم بها الاعتناء بمراقده. فالحق في مقابر نظيفة ومحترمة هو جزء لا يتجزأ من كرامة الإنسان. لذا، من الضروري التعامل مع هذا الوضع بحزم وجدية، وضمان “محاسبة المسؤولين”. وأيضا توجيه الأموال نحو تحسين هذه الأماكن التي تعتبر رمزًا للاحترام والوقار. مع محاسبة ومعاقبة كافة المقصرين والمعتدين على المال العام كيفما سمت “حصانتهم” وعلت.

إن إهمال المقابر في مدينة سلا وما يرافقه من غياب الشفافية حول إدارة الأموال المخصصة لتحسين أوضاعها يطرح تحديات كبيرة. ينبغي على السلطات المحلية تحمل مسؤولياتها في مراقبة إنفاق المال العام، وأن يكون هناك “تحقيق شفاف” في كيفية استغلال الميزانية. خاصةً عندما يتعلق الأمر بكرامة المواطنين والموتى على حد سواء.

 

ولنا عودة لموضوع المقبرة وروائحها والجهات ذات الصلة بالمالية العامة المعلقة بتفصيل في مقال قادم./.

التعليقات مغلقة.