أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

حسن اوريد :” لا أتعامل مع اللغة العربية كغانية و دفاعي عنها ليس نزوة عابرة

كانت هذه صرخة مدوية للدكتور” حسن اوريد “ختم بها مداخلته الفكرية القيمة التي نظمها الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية ، في موضوع ” اللغة العربية و تدبير الاختلاف اللساني ” ، يومه الجمعة الماضي الموافق ل 12يناير من سنة 2018 ، بقاعة الندوات بالمعهد العالي للإعلام و الاتصال بالرباط .
انطلق الدكتور ” حسن اوريد ” أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق اكدال من قاعدة أساسها أن  التنوع اللساني من سنن الحياة مثلما العقدي أو العرقي ، و أنه ما شكل قط خطرا إلا إذا تمت أدلجته . ففي المغرب تعايشت العربية و الأمازيغية لقرون و لم يكن من شنآن بين الثقافتين بل سارتا جنبا إلى جنب . فهذا التحاشد ” La foule ” على حد قوله لم يخلق أخطارا البتة ؛ فالعقدية و اللسانية ليست مصدر خطر و فتنة بقدر ما كانت الأدلجة موقدا للفتن . و قد ساق نموذجين حيين للتنوع اللساني ألا و هما الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة البريطانية اللتان لم تتكلما الإنجليزية وحدها بل إنجليزيات فضلا عن لغات أخرى ، فالفيصل حسبه مرجعيات إيديولوجية ليس إلا  .
ثمة إشارة قوية أخرى ؛ شكلت جوهر و فحوى هذه الندوة ، خطر الأدلجة الذي تذكيه نزعة عدوانية على اللغة العريية من منطلق و مرجع إيديولوجي مناويء للغة أو للدين أو للحركات الإسلامية . و تتمثل في محاولات الإجهاز عليها و القضاء عليها ، و ذلك من خلال إذكاء النزعات الاثنية أو العرقية أو العقدية أو القبلية .
في الثمانينات لهذا القرن استشرف المؤرخ اللبناني” كمال الصليبي” لما يمكن ان تؤول إليه الأوضاع و تنبأ بخطر الحرب الأهلية في لبنان ، في وقت لم تكن مؤشرات تدل على ذلك ، مما دفع آخرين للاستهزاء به . و لم يسق ” حسن اوريد ” تجربة “كمال الصليبي “الفكرية من باب العبث و لكن من باب الوعي بمجريات الأمور و تداعيات النعرات الإيديولوجية و تنبيها لخطر ممكن إذا لم تتظافر جهود الجهات المسؤولة و تولي اهتماما لأن تكون الحاضن و الحارس الأمين  للغة و تعمل كل ما من شأنه أن يعيد للغة أمجادها ، إيمانا منه بقوة اللغة العربية و قدرتها على الانبعاث من جديد و قدرتها على التطور … و أن  تسير جنبا إلى جنب مع لغات محلية أخرى . فالتعلق باللغة العربية  قط ؛ لا يعني التضحية بالأمازيغية ، و لا التعلق بالأمازيغية حتما ؛ يعني التفريط باللغة الأم … بل الأمر عنده مسألة توفيق بينهما و هذا التوفيق الممكن و المتاح سيصير عسيرا إذا ما تمت أدلجته .
يعود ” حسن اوريد ” ليحدث عن الخطر القادم و اليد الخفية التي تسعى لإذكاء النعرات مشيرا إشارة قوية لمقالة نشرت بجريدة ” نيو تايمز” ل ” توماس فيلمان ” ، و هو صاحب كتاب حصل على جائزة كبرى ” من بيروت إلى القدس ” … يستطرد ؛ الكتاب لايهمنا هنا بقدر ما يهمنا ما جاء في مقالته و تتضمن مايلي : ” …إذا كانت الصهيونية قد اشتغلت على الإنسان اليهودي لتخلق صهيونيا جديدا فإنها الآن يجب أن تشتغل على الإنسان العربي من أجل صياغة إنسان عربي آخر … ” و من المداخل التي قال بها هي الاشتغال حول الأقليات العرقية و العقدية و الاشتغال حول أوضاع المرأة و حول الصحافة باعتبارها أداة  رافعة لصياغة إنسان جديد وفق تصور معين .
لذلك فلا مناص من مخارج حتى لا نكون لقمة طيعة و سهلة  تستسيغها أفواه الكائدين ، و لذلك ف “حسن اوريد ” يراهن رهانا و يعول تعويلا على المثقف ، لاسيما أن زمن الساسة ذوي الرؤى و البعد السياسي غادرونا كبنبركة و يعتة ممن شكلوا النموذج ، ليتساءل مستهجنا من يشكل نموذجا الآن ؟! من ؟! من ؟! … فالأرض التي أنجبت حسبه ” عبد الله العروي” و ” عبد الرحيم بوعبيد ” يمكنها أن  تنجب مفكرين آخرين على شاكلة هؤلاء من حيث قوة الكلمة و التحليل الثاقب .
كما أنه لا يرى من مانع  مع التشبت باللغة الأم ؛ البيت و الحضن من الانفتاح على لغات حية أخرى . فاللغات الأخرى مفتاح ننفتح به على العالم ثم نعود إلى بيتنا . و لمن يقولون إنها ؛ أي اللغة العربية لغة تراثية و لغة تعود إلى الماضي و أنها قاصرة عن مواكب سيرورة العصر … لا بل ؛ القصور فينا و يجب أن نعيد لها اعتبارها و قيمتها كما كانت لغة دين و فقه و بلاغة و بيان و فلسفة و فكر و علم … فما كان منه و هو يرد على مداخلات الحاضرين أن جعل مسك الختام جملة بل صرخة  دوت أصداؤها  فضاء الندوة ، و طنينها لا زال يرن آذان  السامعين أن قال : ” لا أتعامل مع اللغة العربية كغانية و دفاعي عنها بحب ليس نزوة عابرة ، بل لأنها الحضن و البيت و لي معها قصة انتماء لا تنتهي “.
نادية الصبار

التعليقات مغلقة.