مشهدين اثنين رسما، صورة المشهد الأوروبي اتجاه قضايا المغرب الأساسية، خاصة القضية الوطنية الأولى، بين الموقف الفرنسي المعادي لقضايا المغرب المصيرية، والخانع للغة الغاز الجزائري والمتخفي وراء اللون الرمادي في علاقاته ببلادنا ومعاداته للقضية الوطنية، وفي الوقت نفسه يريد تحقيق أرباح اقتصادية مع المغرب، وبين موقف إسباني واضح ومؤيد للمغرب وقضاياه الأساسية وداعم لحق المغرب في وحدته الترابية، وفي هذا الشأن خاض صراعا مع ضغط الغاز الجزائري، وحافظ على توزانه السياسي واعتبر الموقف الجزائري تدخلا في القرار السيادي لمدريد.
موقف رسمي معلن وبجهر ويدفع نحو مزيد من التعاون المغربي الإسباني، يوازيه رفض برلماني إسباني لما جاء به البرلمان الأوروبي أثناء وبعد صدور القرار، في مقابل موقف حربائي لباريس، متوزع بين تصريح وزيرة الخارجية الفرنسية من الرباط، ودفعها لمشروع القرار المتدخل في السيادة المغربية إرضاء للنفط والمصالح في بروكسيل.
الخطوات في الاتجاه المغربي الإسباني تسير بخطوات سريعة نحو مزيد من تمثين وتقوية هاته العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، خلال فاتح شهر فبراير المقبل، على هامش القمة العليا التي ستجمع المغرب وإسبانيا والتي ستعمق هاته الشراكة الاستراتيجية، فيما سيعمق الموقف الفرنسي من الخلاف القائم والذي لن تسعفه التصريحات الحربائية التي أدلت بها المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية والتي تحدثت عن “جودة” علاقات بلادها مع الرباط، في موقف ضبابي لا يشرف الدبلوماسية الفرنسية، ولا يعكس عمق الشراكة التي كانت قائمة والتي أطلق عليها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، رصاصة الرحمة.
الزيارة والقمة العليا المغربية الاسبانية ستتوح بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات التي تخدم مصالح البلدين في مجالات متعددة ضمنها التعليم والتكوين المهني والاقتصاد والزراعة …، ، والتي سيحضرها ما بين 8 إلى 10 أعضاء من الحكومة الإسبانية، يقودهم رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، إضافة إلى وفد هام من رجال الاعمال وممثلي القطاع الخاص من كلا البلدين.
العلاقات التجارية بين المغرب وإسبانيا تعرف ارتفاعا وتمثينا غير مسبوق، إذ سجلت ارتفاعا فاق 10 مليارات يورو، أي بزيادة أكثر من 30٪ مقارنة بالسنوات الأخيرة. وهو ما جعل من المغرب الشريك الأول والأساسي لإسبانيا من خارج الاتحاد الأوروبي، تليها الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.
في مقابل ذلك انهارت العلاقات المغربية الفرنسية بشكل غير مسبوق وعرفت تراجعا كبيرا على كافة المستويات وصلت حد إصابة العلاقات الدبلوماسية بأزمة برد حادة، هوت بالتعاون الذي كانت تعتبر في سياقه فرنسا، سابقا، الشريك الأول للمغرب من خارج الاتحاد الأوروبي، والذي تخلت عنه لفائدة إسبانيا.
السلطات الرسمية الإسبانية كلها تشيد بعلاقات المغرب وإسبانيا وتدفع إلى المزيد من تعميقها، والملك فيليبي السادس، عاهل المملكة الإسبانية، دعا الحكومة الإسبانية إلى الارتقاء بهاته العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في كافة المجالات، منذ توقيع خارطة الطريق بالقصر الملكي بالرباط بعد نهاية الأزمة الدبلوماسية التي استمرت سنة ونصف السنة.
الأكيد أن اسبانيا وعت الآن بأن مصالحها مع المغرب، ونأت بالتالي عن لغة التدخل في الشؤون الداخلية للدول كمبدأ أممي، وقطعت مع دعم الانفصال وهي التي عانت من أوزاره في إقليم الباسك، واختارت بالتالي سياسة الوضوح الاستراتيجي في علاقاتها مع الرباط، وقطعت مع اللون الرمادي الذي تسير على خطاه باريس، فاتسع التعاون ليشمل كافة المجالات ضمنها ملف الهجرة والإرهاب والتعاون الأمني من موقع الجوار الصادق، والسياسة المبنية على قاعدة المصالح المشتركة التي تخدم مصالح البلدين والشعبين ، وهو ما عبرت عنه مدريد بصدق حينما قالت إن “الدول لا تختار جيرانها، والجار هو قدر يجب أن تدبر معه العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف على ضوء الاتفاقيات الدولية”.
وهاته العلاقات تعمقت بعد أن تجاوزت قيمة الاستثمارات الاسبانية في المغرب ستة مليارات يورو، وهو ما يجعلها الشريك التجاري الأول للرباط، مزيحة بذلك فرنسا ودولا أخرى، وهو نفس الدرس الذي وعته ألمانيا التي عمقت علاقات مع الرباط، وهو ما عكسه اتزان الموقف الاسباني داخل البرلمان الأوروبي وواقعيته.
فيما باريس يقيت على هامش خط التطور الطبيعي، والأكيد أنها ستجني الخيبات من خلال هاته السياسة العدائية الحربائية التي تنهجها اتجاه الرباط، وستخسر الكثير، كما خسرته في مالي وبركينا فاسو.
التعليقات مغلقة.